الحروب الصليبية

الثلاثاء، 25 يناير 2011

وقفوا التعذيب......مقال الدكتور محمد عباس


هل أتسول البراءة بإعادة نشر هذا الجزء من كتابي: "إني أرى الملك عاريا"..؟..
هل أريد أن أثبت أمامكم يا قراء أن جيلنا قد حاول..
ربما لم نحاول كما يجب أن تكون المحاولة..وربما لم نجاهد كما ينبغي أن يكون الجهاد..
وربما ضللنا الضروب وتهنا في الدروب لكننا كنا طول الوقت نسعى خلف الحق..
وكنا ندرك دائما أن الإسلام لم ينهزم.. ولا حتى المسلمين..
لأن الهزيمة الواقعة.. الهزيمة البشعة الرهيبة المروعة.. التي أذلت الأمة كما لم تذل أبدا.. تلك الهزيمة لسنا نحن المسئولين عنها.. فلم يكن لنا من الأمر شئ عندما وقعت..
كانوا هم في السلطة .. ولاة الأمر..
وكنا معزولين مضطهدين مطاردين مسجونين معلقين على المشانق..
كانت صحفنا تغلق.. و أصواتنا تخنق.. ورؤيتنا للصراع مع أعدائنا يُسخر منها.. وكان أبناؤنا يعذبون عذابا لم يشهد له التاريخ مثيلا..
ولاة الأمر هم الذين انهزموا..ولاة الأمر ودينهم العلماني الوضيع وسياساتهم الخائنة هم الذين انهزموا.. أما الإسلام والمسلمون فلم يسمح لهم بدخول الصراع أصلا.. فكيف ينهزمون.

من حاول..من حذر..من اعترض..تعرض لأنماط من التعذيب سوف يقرأها القارئ على الفور.
قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كنت قد جمعت من على شبكة الإنترنت عشرات الموضوعات عن صناعة أجهزة التعذيب، كانت التقارير تقول أن 90% من أجهزة التعذيب تصنع في راعية العالم الحر.. في الولايات المتحدة الأمريكية.. و أن 9% يصنع في أم الديموقراطيات.. في بريطانيا.. و أن التدريب الرئيسي لضباط الأمن في العالم العربي، على  أجهزة التعذيب تلك، يتم في هذين البلدين، ولقد حاولت استعادة البحث فلم أجد موضوعا واحدا يتطرق إلى هذا الموضوع. فقد اقتضت الديموقراطية وحقوق الإنسان والحداثة، ليس التوقف عن صنع أجهزة التعذيب، بل محو المعلومات المنشورة عنها ( لاحظت نفس الملاحظة في الموضوعات التي تكشف جرائم الغرب)..
المجرمون، الذين لم يصل إلى إجرامهم أحد في التاريخ،  المجرمون الذين تحالف معهم ولاة أمورنا علينا، لم يتورعوا بعد أحداث 11 سبتمبر عن أن يوجهوا اتهاماتهم إلى ولاة أمورنا و أجهزة أمننا بأنها هي التي حولت الإرهاب المحلي إلى إرهاب عالمي، وكان منطقهم في ذلك أن طرقهم الحيوانية المجرمة البشعة المروعة في التعذيب قد دفعت بالإرهابيين للهرب للخارج ليمارسوا إرهابهم هناك.
دعنا الآن من تعريف المصطلح والتعقيب عليه..
لكن هؤلاء المجرمين، الذين ولوا علينا هؤلاء السلاطين، والذين صدروا إلينا آلات التعذيب الجهنمية، ودربوا ضباطنا عليها، يأتون الآن ليكيلوا الاتهامات لهم، وغدا، عند تغيير الأنظمة، سوف يقدمون هذه الوجوه للمحاكمة، محملين إياهم العار وحدهم، ليفقدوا الدنيا بعد أن فقدوا الآخرة.
لم ينهزم الإسلام ولا المسلمون..انهزم أعداؤه..أما الإسلام وبنوه.. فقد كانوا مقيدين في الأصفاد..وكانوا يعذبون..فأوقفوا التعذيب..
من بروتوكولات حكماء صهيون
لن يجد أحد يرغب في مهاجمتنا بقلمه ناشرا ينشر له
كون المؤلفين مسئولين أمام القانون سيضعهم في أيدينا و ما من أحد سيكون قادرا دون عقاب على المساس بعصمتنا السياسية ...
إن حكمنا سيبدأ في اللحظة التي يصرخ فيها الناس الذين مزقتهم الخلافات وتعذبوا تحت إفلاس حكامهم - وهذا ما سيكون مدبرا على أيدينا - فيصرخون هاتفين: اخلعوهم وأعطونا حكما يستطع أن يمنحنا السلام والراحة، لكن لكي يصرخ الجمهور بمثل هذا الرجاء لابد أن يستمر في كل البلاد اضطراب العلاقات القائمة بين الشعوب والحكام، اضطراب يستثمر العدوان والحروب والكراهية والموت استشهادا أيضا، هذا مع الجوع والفقر، وسيستمر كل ذلك إلى الحد الذي لا ترى شعوبهم الأمل في أي مخرج من المتاعب غير أن يلجئوا إلى الاحتماء بأموالنا وسلطتنا الكاملة .
مقدمة
هل أستطيع - أيها القارئ - أن أنقل إليك مدى خطورة ما أتحدث فيه ومدى صدقه، ومدى ضرورة أن تتخذ فيه قرارا، و ألا تظل بعد قراءته كما كنت قبل قراءته، و ألا تكتفي بالدموع آملا أنها تطهرك من إثم يطولك بصمتك، إثم صمت شيطان أخرس.
هل أستطيع أن أوصل إليك و إلى الأمة كلها فداحة ما يحدث من فساد ومن تعذيب لإخوة لنا في البشرية، كي تخرج من صمتك وسلبيتك وسكونك، فأنت إن اتحدت مع الباقين القادر على إرغام الجلادين على كفّ ذئابهم كلاب النار عن نهش أبناء هذا الوطن.
هل أستطيع أن أبلل صفحات هذا الكتاب بالماء أو بالدموع وأن أصلها بالكهرباء كي يتكهرب القارئ إذ يقرأ ليفهم ويحس ويعي أي نوع فظيع من العذاب يعانيه أولئك الذين يعذبونهم بالصعق بالتيار الكهربائي.
هل أستطيع أن أجعل من السطور سياطا و أسلاكا مجدولة تنهال على وعي القارئ ليحس بشيء شبيه لما يعانيه الضحايا؟ .
وهل أستطيع أن أستعمل في كتابته دم الضحايا الذي سفكه الباطش الجبار وسفحه الضحايا بدلا من الحبر الذي دنسته أقلام كثيرة؟..
هل أستطيع أن أوقد تحت القارئ نارا، ليحس بما يحس به الضحية وهو معلق كالخروف المشوي فوق النار؟.
هل أستطيع أن أجعل القارئ يقرأ هذا الكتاب وهو معلق من قدميه في سقف منزله، أو وهو معلق من رسغيه معكوسا وقد ربطت في كل قدم من قدميه أنبوبة بوتاجاز، أو وهو يسحل على الأرض؟.
هل أستطيع أن أصوغ من تلك الحمم المنصهرة المنثالة من داخلي تمثالا يحرق لامسه ويعمي الناظر إليه، أو أن أرسم بألوانها الدامية لوحة تتحرك فيها الجمادات وتصرخ؟.
هل أستطيع أن أجعل تلك الصفحات تشتعل بين يدي القارئ، أو تنوح وتلطم؟.
 هل أستطيع أن أبث الروح في تلك الحروف المتراصة الميتة فتنفجر بالحياة من الألم فتنقل للقارئ في نفس اللحظة التي يقرأ فيها صرخة إنسان يعذب؟.
هل يمكن أن يسمع القارئ وعيناه تجريان على هذه السطور صوت سوط، صوت العظام وهي تتهشم، والمفاصل وهي تنخلع، والنفوس وهي تنكسر؟.
هل يمكن أن يرى القارئ ولو لثانية واحدة ضابط الشرطة الذي يعبث بأصابعه وبأدوات أخرى في هنيامرأة، في عورتها وعفتها، بعد أن أخذوها وهي البريئة رهينة، هل يمكن أن يرى القارئ ذلك و أن يخصف على مشهد العار الداعر في خياله الدامي صفحات هذا الكتاب؟.
هل يمكن؟...
هل يمكن؟.. .
يا قارئي: إن ما يحدث في ربوع أوطاننا جرائم مروعة تؤكد أن النظام كله مختل و أن المجتمع كله مريض، الكبار والصغار، المتّهمون والمتهمون، ولعل مادة هذا الكتاب التي نشر الكثير منها كمقالات في الأعوام الخمسة الماضية تشكل صفحات من التاريخ تقطر دما.. وكرامة.. وألما.. و أملا مسفوحا.. ولعل ما نشر، و ما لم يتسع الهامش الديموقراطي في بلادنا لنشره، لعلها جميعا تتشكل كديوان للوطن في مخاضه الدامي، ولعل ذلك ما كاد يدفعني لتقسيم هذا الكتاب لا إلي رسائل وأجزاء و أبواب وفصول.. بل إلى أشلاء ..
شلوا إثر شلو..
 و إن كان هذا الكتاب يركز في مباحثه على مصر، فما ذلك إلا لأنها البلد الوحيد - فيما أظن - الذي يمكن أن يسمح بصدور مثل هذا الكتاب، ثم أنها وطني الذي أراه أكثر مما أرى سواه، والذي أستطيع أن أزعم - رغم البشاعة والألم - أنه أفضل حالا من معظم البلاد الأخرى، فالناس هنا مازالت تملك بعد حق الصراخ والاحتجاج والألم، وهي أمور تعد من المحرمات المطلقة في معظم أوطان العالم الإسلامي، حيث يتعذب الناس ويموتون في صمت كصمت القبور، دون حتى صرخة احتجاج أو ألم، وليس هذا انحيازا لوطني، ولا مجاملة لحكومتي، بل إنها التقارير الموثقة لمنظمات حقوق الإنسان.
ويستطيع قارئ هذا الكتاب قراءته من الخلف أو من الأمام أو من أي جزء فيه في دائرة جهنمية لا تكف عن الدوران والتكرار، لأن أي جزء فيه، بغض النظر عن تاريخ كتابته، وعن مناسبته، يصلح للأمس صلاحيته للغد، فما من شيء يتغير وما من شيء يتطور وما من همّ يزول في هذا الوطن.. لا مجرد الوطن الصغير الذي تحده على الخرائط خطوط تتوسطها كلمة مصر، بل أيضا عوالم العرب والإسلام والمسلمين، من أجل ذلك انطلقت باحثا ومنقبا عما جعل الأمم تتداعى علينا كما تتداعى الأكلة على قصعتها، مدركا أن السبب ليس في ضراوة الأعداء، بل السبب فينا نحن..
ولا يزعم هذا الكتاب أنه يقدم حلا، فالحل الذي يقدمه كتاب أو فرد ليس سوى وهم ورقة يانصيب لا تفوز أبدا، عندما يدعي أنه يحاول دعوة الأمة كلها و دعوة الآخر أيضا، لأننا لو جمعنا ستين مليون عقل، أو حتى عشرين، أو حتى مليون واحد، أو حتى ألف فقد تستطيع إخراجنا من الوهدة التي أغرقنا الحكام فيها، ومن ناحية أخرى فلعل واحدا ممن يقرؤونه الآن يصبح حاكما ولو بعد نصف قرن، مصطحبا معه عبر السنين شعور المواطن والوطن بالألم الفادح التي تسببه تصرفات الحكام، ولعله حين يحكم يرعوي عنها.
هذا الكتاب أيضا ليس كتابا أكاديميا و إن اعتمد على مئات المراجع، وليس سيرة ذاتية كما أنه ليس رواية، ولكنه محاولة لرصد حال الوطن في حقبة شديدة السواد والألم..
ولأن هدف كل كاتب الوصول إلى عقل قارئه وقلبه، فلقد حاولت أن أصل بالعقل إلى العقل وبالقلب إلى القلب، وسيلاحظ القارئ أنني توسعت في الاستشهاد بنصوص أدبية وشعرية، ولم أكتف بمجرد الإشارة إليها، وما حيلتي إن كان خريجو الجامعة لا يعرفون نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ولا من أين ينبع نهر النيل ولا متي بني السد العالي، فكيف كان يستساغ أن أستشهد في إيجاز بعبد الرحمن منيف أو أحمد مطر؟.
ولقد نتج عن وحدة الموضوع وتباين التناول تتداخل بين الأجزاء وبعضها، نفس التداخل الذي يحدث بين الأشلاء فلا تستطيع بالدقة فصل جزء عن جزء أو شلو عن شلو، ولإن بدا للعين العابرة أن تلمح تكراراً هنا وهناك فلعل ذلك يكون مقصوداً بنفسه، فالتعذيب مستمر والتزوير مستمر والاستبداد مستمر، ولا توجد صرخة لضحية تشبه صرخة أخرى لضحية أخرى، مهما توهمت الأذن العابرة من تشابه.
كنت أتصور أن يكوّن كل جزء - شلو - من هذا الكتاب كتابا منفصلا، لكن الناشر والأصدقاء رأوا أن يضم الأجزاء الثلاثة كتاب واحد، فقد لاحظوا أن كل أجزائه تدور حول محورين أساسيين، هما التعذيب والتزوير، إنهما آباء السفاح لكل جرائم المجتمع الأخرى، ولقد تناول الكتاب هاتين الظاهرتين في جزئه الأول بالرصد والمتابعة و إبراز الأمثلة، ولقد كان طبيعيا أن يتطرق في تناوله ذاك إلى جرائم أخرى، هي النتاج الطبيعي للتعذيب والتزوير.
في الجزء الثاني عمد الكتاب إلى أداة الدولة في التزوير والتعذيب، إلى جهاز الشرطة، فالشرطة خدم السلطان، ولقد كان الكاتب يزمع أن يقسم هذا الجزء إلى قسمين، قسم يتناول انعكاسات أعمال الشرطة على الأدب، والقسم الآخر يتحدث عن ممارسات الشرطة في الواقع، لكنه اكتشف أثناء الكتابة – للمأساة- أن هذا الفصل فوق أنه متعسف فإنه غير ممكن، فمعظم الأعمال الأدبية التي تناولت الشرطة كتبها ضحايا من الكتاب والأدباء، وقعوا في براثن الشرطة ذات يوم، فكان ما كتبوه تجارب شخصية واقعية لا نستطيع تناولها كقيمة أدبية مجردة.
في الجزء الثالث، يصرخ الكاتب مناديا جلالة الجلالات وفخامة الفخامات.. فما كان كل هذا التعذيب والتزوير- بكل التداعيات المروعة - يمكن أن يحدث دون مباركة كاملة منهم. لذلك كان على الكتاب أن يقدم صورة شاملة للنتائج الوبيلة التي تمخضت عن اتخاذ حكامنا للتعذيب والتزوير دينا يدينون به.
 وفي هذا الجزء، تنقسم كل مقالة رئيسية إلى مقالتين فرعيتين، كل منهما تكمل الأخرى، رغم اختلاف الموضوع، تماما كما يكمل لحنين معزوفة.
لقد كان واضحا أمام الكاتب أنه مع جرائم التعذيب والتزوير التي تمارسها السلطة، والتي بلغت تداعياتها إلى نسف منازل مواطنين لمجرد الشك في مناوأتهم للدولة أنه لم يكن البيت هو الذي انهدم، بل كان الوطن هو الذي انهزم، وكان الشعب هو الذي انقسم، وكانت الأمة هي التي تشتت شذر مذر.
كان ذلك واضحا، فلا خير في وطن يكون السيف في يد جبانه، والمال في يد لصوصه، والقلم في يد منافقيه.
إنني في النهاية أكاد أعتذر للقارئ عن حجم الألم في هذا الكتاب، ذلك أن ألمي قد برى قلمي، كما أنكم تعرفون أنه ما من عملة رائجة في سوق الصدق مثل الألم.
لقد حاول هذا الكتاب أن يعثر على السبب فيما نحن فيه، ولقد وصل إلى مسئوليتنا جميعا، فالأمة كالساعة، لكي تنضبط لابد أن ينضبط كل ترس فيها.
السبب فينا..السبب فينا.. والعلة.. والمرض..و النظام كله مختل و المجتمع كله مريض.
الرسالة الأولي :
أوقفوا التعذيب
إن التعذيب المادي وصل إلى درجة وضع قطع خشبية في دبر بعض المتهمين، فذكر أحدهم ذلك، ولعل الآخرين أمسكوا عن هذا القول بالذات، صيانة لأعراضهم من الفضائح إن ضمير المحكمة ليفزع، وضميرها يجزع، وهي ترى أن أي متهم قد تعرض للتعذيب المادي أو النفسي أو العقلي، ويزداد الفزع ويتضاعف الجزع، أن التعذيب حدث بصورة وحشية فظيعة، كوضع قطع خشبية في دبر المتهمين، وهو أمر وصفته محكمة النقض في الثلاثينيات من هذا القرن بأنه إجرام في إجرام، ولا تجد المحكمة في عصر حقوق الإنسان وزمن حرية الوطن والمواطنين وصفا ملائما تصفه به، ولا تريد أن تتدنى لتصفه بوصفه البشع، غير أنها ترى في التعذيب عموما عدوانا على الشرعية من حماة الشرعية..
من حيثيات..حكم محكمة مصرية
إني أري الملك عاريا
 يحكي أن ملكا استمتع بنفاق حاشيته وجبن شعبه حتى السأم، وفي الاحتفال السنوي أراد أن يسخر من الجميع، وبدلا من الخروج إلى موكبه لابسا أفخر ثيابه ومتقلدا أرفع أوسمته. خرج عاريا تماما، كما ولدته أمه، وراحت الحاشية تقول: ما أفخر الثياب وما أرفع الأوسمة ..، والشعب يردد خلف الحاشية ما تقول، وظل الموكب يطوف شوارع المدينة والحاشية تقول والشعب يردد، وفجأة صرخ طفل:
ولكنني أرى الملك عاريا ...
لم تنقل لنا الأسطورة يا نخب الأمة ويا حكامها ماذا فعلوا بذلك الطفل، لكنني الآن أراكم بعينين بريئتين كعينيه: عـــــــــــراة!!.
بنصّ حكم محكمة مصرية حمل مستشارها عنا عبء استعمال الكلمة وعواقبها عندما وصف ما يقوم به بعض أفراد جهاز الشرطة من عدوان على الشرعية والمفروض أنهم حماة الشرعية بأنه إجرام في إجرام، لم يقل ذلك فقط، لكنه قال ما هو أكبر هولا وأشد إدانة، لأنه قال أنه عندما حدث شيء مثل ذلك منذ ستين عاما وصفه القضاء المصري بأنه إجرام في إجرام . وكان الذي حدث أقل بكثير مما يحدث اليوم، تحت نير الاستعمار وملك أجنبي وحكومات عميلة.
 الذي لم يورد المستشار تفاصيله، أن ضابط الشرطة المصري، عندما هتك عرض مواطن منذ ستين عاما، فقتله هذا المواطن، فنشبت أزمة سياسية كبرى انتهت باستقالة رئيس الوزراء في ذلك الوقت، لا لأن المواطن قتل الضابط الذي هتك عرضه، بل لأن ضابطا يمثل سلطة الدولة هتك عرض مواطن .
منذ ستين عاما كان هذا وضع حقوق الإنسان في مصر، وكان هذا هو رد الفعل على انتهاكه
اليوم، أمامكم لا حيثيات حكم واحد بل عشرات وعشرات، ومئات أيضا من تقارير الطب الشرعي عن التعذيب وتفاصيله .
أما رد فعل السلطة فلا شيء .
ولعلنا إذ نتناول ظاهرة التعذيب نبادر إلى ما يسميه إخوتنا اللبنانيون الكلام الساكت فنتحدث كثيرا ولا نقول شيئا، نوهم الآخرين أننا نمسك كبد الحقيقة، ونرشو ضمائرنا بذلك، ونبتعد عن مكامن الخطر ومرأى الدم فنتجادل في أحدث ما وصلت إليه نظريات علم الإجرام الجديد ممارسين بصورة فاجعة عجز الصفوة عن التعامل مع الواقع، ومكررين بطريقة محزنة قول ماري أنطوانيت الأبله لشعب لا يجد الخبز أن يأكل الجاتوه.
لعلنا نهرب من المشكلة فنستعيد - بنفس منطق ماري أنطوانيت - وننتقد نظريات و أفكار هيرمين مانهايم وأوجست كونت وجاروفالو ولسلن وسذرلاند وابن خلدون وتوماس الإكويني وتوماس هوبز وجان جاك روسو وسيزار بكاريا وسيزاري لومبروزو وأنريكو فيري وتشارلز جورنج وأرنست هوتون ودوركايم وكيتيلييه وجرسبيني وروبرت ميرتون وجيرمي بنثان وجبرائيل تارد وفرويد وجون لوك وعشرات وعشرات وعشرات .
ولعلنا نعرّف الجريمة والإجرام، بالتعريفات القانونية والاجتماعية والنفسية والدينية، فنتكلم عن القانون الطبيعي والقانون المدني ومفهوم الصراع ونظرية المخالطة الفارقة ومناهج البحث في علم الإجرام، ونسترجع مدارس علم الإجرام من النظرية التقليدية والنظرية الوضعية وما اشتق منهما من فروع.
ونشرح النظرية الفسيولوجية وعلم الفرينولوجيا والنظرية النفسية وعناصر الشخصية والجريمة وعلاقتها بالمرض النفسي والعقلي.
لعلنا نتجاوز المدارس القديمة، متناولين الجريمة كظاهرة اجتماعية، ممحصين أسبابها وعلاقتها بالمجتمع، متحدثين عن نظريات التفكك والتحييد والتقليد والوصم لكي نصل إلي علم الإجرام الجديد الذي يرى بعض فقهائه جميع الجرائم والمجرمين من منطلق سياسي وإداري دون سواه .
 و لكننا ونحن نفعل ذلك كله لا نلقي بالا إلى ما يحدث أمامنا.
إننا بهذا نشبه طفلا يرى أمه على فراش الموت، فلا يسعفه خيال الطفل إلا بأنه سيكبر، سيصبح طبيبا كبيرا، وسينقذها من الموت، دون أن ينبئه خياله القاصر، أنه عندما يحين ذلك الوقت، ستكون أمه قد شبعت موتا.فهل يمكن أيها السادة أن نكف عن الهرب و أن نواجه..
هل يمكن أن أعرض شيئا آخر غير ما تحفل به صحفكم وأبحاثكم من متاهات نظرية.
شيء آخر..
تجيبون بعده يا نخبة الأمة على سؤالي..
ما أود أن أعرضه عليكم هو أنماط التعذيب التي تمارس في مصر على أعتاب القرن الحادي والعشرين، ولو أن ضمائر البشر لها آذان تسمع وعيون ترى
وأنوف تشم لسمعتم الآن صراخ الضحايا ولذابت أصواتكم وحياتكم في دمائهم ودموعهم، ولهالكم منظر المجزرة البشرية ولطغى على رائحة الشواء الشهي للمآدب الحافلة التي تلتهمونها في البيوت أو المطاعم الراقية رائحة اللحم البشري وهو يشوى، أعرض عليكم أيها القراء نماذج التعذيب كما توردها مصادر عديدة منها تقارير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والصحف، وكتب كثيرة منها كتاب قيم للصحفي أيمن نور:
1 - عصب العينين والتجريد من الملابس..2 - التعليق من الأيدي والتعليق في فلكة..
3- الضرب بالعصي والأسلاك الكهربائية..4- الجلد بالسياط والعصي المفتولة من الجلد..
5 - إجبار الضحية على الوقوف عاريا لفترات طويلة .6- سكب الماء البارد على رأس الضحية..7- إطفاء السجائر المشتعلة في الجسم..8- الصعق بالتيار الكهربائي..9- الركل بالأقدام والضرب بقبضة اليد..10 - إطلاق الكلاب المسعورة على السجناء ..11- إجبار الضحية على الجلوس فوق خازوق..12- الحرمان من الغذاء والدواء..13- الإلقاء في بيارة دورة المياه..14- التهديد باغتصاب الضحية أو ذويه..15- إسماع الضحية صراخ وعويل الضحايا الآخرين أثناء تعذيبهم لإرهابه.16- تقييد الأيدي والأرجل من الخلف وتحويل جسم الضحية إلى شكل دائري.17- نزع الأظافر والسحل..18- النوم على البلاط دون أغطية وإغراق الزنازين والضحايا فيها بمياه المجاري 19- استخدام وسائل حادة مثل المطواة وقطع الزجاج في إحداث الإصابة بالمتهمين..20- الكي بالنار..21- إرهاب الضحية بالثعابين الحية وإرغامهم على تقبيل عضو الذكورة للضابط القائم بالتعذيب..
في لقاء شخصي مع أحد الضحايا كنت أسأله عن تفاصيل التعذيب وكان يجيب، وفجأة انفجر غضبا وألما صارخا في وجهي:   ماذا تعني الكلمات بالنسبة لكم، إنكم تفهمون ما يحدث لكم خارج السجن لأن خبرات حياتكم تحوي ما يضاهيه أو يفسره، عندما يقول لك قائل: أحلى من السكر فأنت قد ذقت السكر، وعندما يقول لك أمر من العلقم فأنت تعرف العلقم، لذلك فأنت تفهم بالقياس، أما عندما أقول لك أن ما شهدته أقسى من الموت فلا أنا ولا أنت نستطيع إدراك ذلك لأننا لم يسبق لنا الموت، من أجل ذلك فعندما أقول لك أنهم ضربوني بالسياط، ربطوني بطريقتهم الجهنمية الرهيبة التي يسمونها: الخروف المشوي، أو علقوني مقلوبا على الباب من معصمي ساعات وساعات.. حتى انخلع كتفي، أو.. أو.. أو.. كيف تفهم شيئا من هذا وكيف تحسه؟.
أحسست بالخزي يا قراء...أحسست بالامتهان والإهانة والمشاركة بجريمة الصمت.
ربما هذا هو ما يقصده فقهاء علمي الاجتماع والإجرام عندما يتحدثون عن رد فعل المجتمع على الجريمة، عن أن الجريمة ليست موجهة إلى ضحيتها فقط بل إلى المجتمع كله.
الآن أسألكم..
هل توافقون حيثيات حكم المحكمة الذي أوردته في صدر هذا المقال بأن ما يحدث إنما هو إجرام في إجرام؟. وهل توافقون على أن لكل جريمة مجرم؟. وهل المجرم هو: كل من يدان أمام محكمة الجنايات؟. أم أنه كل من يرتكب الجريمة طاله القضاء أم أفلت منه. هل تجدون يا صفوة المجتمع ونخبته أي مبرر للأداة الأولى في مكافحة الجريمة - وهي بعض قطاعات الشرطة - يسوغ لهم أن يفعلوا ما يفعلونه، أم أنكم ترون، لا مع حيثيات حكم المحكمة فقط، بل معنا، مع الإنسان في كل زمان ومكان وتحت أي شريعة أن ما حدث إنما هو إجرام في إجرام.... وقيام حماة الشرعية بالعدوان عليها، واعتداء على حقوق الإنسان ممن واجبه الحفاظ على حقوق الإنسان..
يقول سذرلاند: إن الجريمة لا توصف كذلك بناء على صدور عقوبة ضدها، بل بناء على حقيقة أنها معاقب عليها.
أيها القراء ..
سوف تجدون في بلادنا المتخلفة المسحوقة من يؤكدون أن ما يحدث ليس إلا مكافحة للإرهاب لذلك، فسوف أتجنب تناول ما يحدث لمن يسمونهم بالإرهابيين، ليس موافقة على ما يحدث لهم، وإنما فضحاً لتلك النفوس الخسيسة المجرمة التي تتخذه تبريرا. غير متجاهل في الوقت ذاته، أن ثمة قضية كبرى لم تظفر من مجتمع المثقفين المكبل بالخوف والرعب والنفاق وإيثار السلامة بما تستحق من اهتمام، فبعض قطاعات الشرطة مدعمة بالسلطة لم تكتف باغتصاب حرية ضحاياها وانتهاك أعراضهم وأعراض نسائهم وبيوتهم وذويهم، بل إنها تقوم أيضا - وهذا لا يقل شرا عن كل ما سبق- بانتهاك اللغة واغتصابها بإطلاق الأسماء الخطأ التي ترددها أبواقها حتى ترسخ في أذهان الناس في النهاية، يتبعون مبدأ: اكذب واكذب ثم واصل الكذب فسوف يصدقك الناس في النهاية، افعل أي شيء ضد السلطة وستكون إرهابيا، ارفض تزوير الانتخابات أنت إرهابي، تصدّ لقضية فساد أو تكلم عن الفساد أو عن اللصوص الكبار: أنت إرهابي، اختلف مع سياسات نظام الحكم ليس في مواقف جوهرية توجع السلطة لأنها تكشف عارها كحرب الخليج مثلا، بل في مواقف فرعية، كاشتراك إسرائيل في معرض الكتاب: أنت إرهابي..
جهاز ذو إعلام فاشيستي يكرس الكذب ويعاقب من يكذبه ويسفهه ويشهر به..
وليت الضحية تذهب بعد ذلك إلى نيابة أو قضاء لا تمارس السلطة عليهما كل وسائل الضغط والتعمية؛ ثم أن النيابة مع كل محاولات التأثير عليها مقيدة بقانون يتستر علي جرائم السلطة، والقضاء بطيء ويتحرى الدقة فيبرئ ألف مجرم كي لا يتورط في إدانة بريء، لكنه في نفس الوقت، وبحسن النية كلها، بتدليس بعض قطاعات الشرطة والسلطة، يبرئ المجرمين ويجرم الأبرياء الذين صيغت اعترافاتهم تحت سياط لا يستطيعون إثباتها، وقد تعثرت محاولات إفساد القضاء الطبيعي رغم الاستمرار والإلحاح الذي يفسد بعض آثاره قيام بعض الشرفاء والمفكرين بالتصدي له، أولئك الشرفاء الذين لا تتورع السلطة عن تلفيق تهمة إهانة القضاء لهم أو لمن يدافع عنهم، فالسائر في هذا الطريق يخوض في حقل الغام قد ينفجر فيه في أية لحظة ..
النيابة مقيدة والقضاء عصي، فلتقم الشرطة إذن بمهامهم جميعا وبمهمة الجلاد أيضا..
يصرخ بيان من بيانات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان معاتبا النيابة:" إلا أن النيابة لم تبدأ حتى الآن التحقيق مع الضباط المتورطين على الرغم من أن عددا من المتهمين - كما أثبتت النيابة - قد تعرضوا للتعذيب عقب كل جلسة تحقيق أجرتها معهم، ولم تقدم حماية قانونية لهم لوقف التعذيب الذي تم تحت سمعها وبصرها من خلال أقوال المتهمين ومشاهدة آثار التعذيب على أبدانهم .."
لقد قبضوا ذات يوم - على سبيل المثال - على ضمير عظيم من ضمائر مصر، هو الدكتور حلمي مراد رحمه الله، وأودعوه مع المجرمين والقوادين ومنعوا عنه الدواء، وهم الذين ملئوا الدنيا ضجيجا مدللين على إجرام من لم يرع حرمة عمر نجيب محفوظ، ولم يراعوا هم عمر الكاتب الكبير والوزير الأسبق منذ ربع قرن، ولقد أدعو أسبابا شتى للقبض عليه وهناك في السجن بين قاع المجتمع، أدرك المجرمون - فمتي تدركون يا مثقفين؟- القابعون في التخشيبة كذب ادعاءات السلطة وكذب أي اتهام مدركين تماما أنه هناك معهم بسبب قلمه وضميره وتعريته للسلطة، وموقفه من التعذيب وانتهاك القوانين وانتقاداته للنائب العام ودفاعه عن استقلال القضاء ومحاولته كشف فساد السلطة، أدرك حتى القوادون والنشالون واللصوص والقتلة ذلك مهدرين كل مجهود السلطة في الكذب على الناس فسألوا الدكتور حلمي مراد والذين معه، سألوه عن كاتب هذا الكتاب: لماذا لم يسجنوه معه؟!.
لقد اعتقلوا وحبسوا وسحلوا وعذبوا، وفي الغالب الأعم لم تكن هناك قضايا..كان كل ذلك بهدف الترويع فقط، بهدف قمع كل فكرة وكل محاولة للتصدي للفساد..
على الرغم من ذلك كله، فسوف أتجنب تناول ما يحدث لمن يسمونهم بالإرهابيين، ليس موافقة على ما يحدث لهم، فحتى لو كانوا مجرمين فإن عقابهم يجب أن يتم من خلال القانون لا من خلال ذلك الادعاء الذي أصبح يثير من السخرية قدر ما يثير من الاشمئزاز، الادعاء بأنهم جميعا يبادرون السلطة بإطلاق النار فترد عليهم فتصرعهم، لقد نشرت صحيفة الأهالي - وهي من أعدى أعداء الجماعات الإسلامية - وتواترت أخبار عديدة- أن ثمة شائعات قوية تذكر أن بعض قطاعات الشرطة بعد القبض على ضحاياها واستجوابهم وتعذيبهم لمدة أيام أو أسابيع، تنقلهم مكبلين بالأغلال إلى مزارع القصب تطلق عليهم الرصاص .
يقول الكاتب الكبير الدكتور محمد السيد سعيد - وهو بالمناسبة مصنف عند الأمن من الشيوعيين وليس من الجماعات الإسلامية - أن الصراع لم يعد صراعا بين الدولة والإرهاب وإنما بين جماعتين مسلحتين تفتقد كل منهما الشرعية..
على الرغم من ذلك كله، سوف أترك الصراع السياسي كله، لا موافقة للشرطة على ما تفعله، إنما فضحا لتلك النفوس المجرمة التي تتخذه تبريرا، لكننا في ذات الوقت نقرر أننا نعلم أن العالم كله، وقطاعا عريضا من الأمة، يدرك أن قطاعات الجهاز المتورطة في القتل والتعذيب لم تترفع عن الكذب، وفي خلال هذا الإطار نتلقى بياناتها..
لنترك ذلك كله، لنترك السياسة بما فيها ولنتناول نمط تعامل ضباط شرطة مع مواطن، ليس حتى متهما بالسرقة، بل أمره الضابط بالانصراف من حفل زفاف فتلكأ الشاب فصفعه الضابط فرد الشاب على الضابط صفعته، فألقى الضابط القبض عليه وعذبه حتى الموت..
ليس الأمر أمر صراع سياسي وليس مكافحة للإرهاب..لقد أصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريرا تقول فيه: إن أغلبية الحالات التي تعرضت لإساءة المعاملة والتعذيب في أقسام الشرطة هي لمواطنين لم يُتهموا بممارسة السياسة، فضلا عن العنف والإرهاب، مما يكشف مدى شيوع أسلوب التعذيب والقسوة في العمل الشرطي، بل إن اثنين على الأقل من خفراء الشرطة قد لقيا مصرعهما خلال عام مضى من جراء التعذيب على يد ضباط الشرطة..ليس الأمر أمر إرهاب إذن، ولا محافظة، على أمن الحاكم أو الدولة.. بل إجرام في إجرام.
يذكر الكتاب المروع الذي أصدرته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ما حدث لمواطن خجل من ذكر اسمه لكن وثائقه لدى المنظمة: احتجز بقسم شرطة باب الشعرية بسبب خلاف بينه وبين ضابط مباحث القسم، وتعرض للتعذيب لتأديبه، حيث أجبره ضابط المباحث على خلع الملابس كلها، وعقب ضربه لفترات طويلة بالكرباج أجبره على تقبيل حذائه وحذاء مساعده الضابط عدة مرات، وكان التعذيب قد بدأ بجولة من بث الرعب النفسي وذلك باستخدام ثعبان حي يطلق عليه الضباط لولو ويستخدم في إرهاب الضحايا الذين لا يعلمون أن أسنانه منزوعة وقد وضعوا الثعبان داخل قميص الضحية، ويزعم الضحية في شهادته أن ضابط المباحث أمر بعد ذلك ثلاثة من المحتجزين بالقسم بالاعتداء عليه جنسيا مقابل الإفراج عن كل من يغتصبه، وقد حاولوا ولكن عندما عجزوا بسبب المناخ الإرهابي السائد قام ضابط المباحث بخلع بنطلونه وسرواله وأجبر الضحية على إتيان أفعال منافية للآداب العامة ثم تكرر ذلك مع مساعده، ثم أجبره على التحدث والرقص والغناء بطريقة النساء، وقد أصيب الضحية بحالة هستيرية، ونقل إلى المستشفي للعلاج من أثر التعذيب وتقدمت أسرته ببلاغ إلى نيابة باب الشعرية التي حفظت البلاغ.
وبعد أن يورد الكتاب نماذج عديدة، تتقدم المنظمة بالاعتذار إلى الرأي العام لاضطرارها لتقديم صور بها بعض التفصيل الجارح للشعور، و أنها حاولت قدر الإمكان استخدام أخف الصياغات، وتجنبت لأجل ذلك الكثير من التفاصيل المفزعة التي تثير الغثيان.وتستدرك المنظمة أن الصدمة الحقيقية للشعور العام هو أن ذلك يحدث في مصر، و أن مرتكبيه لا يجدون من يحاسبهم، بل يستشعرون الحماية فيطلقون العنان لنفسيتهم المريضة المشوهة، وينتقلون من ضحية إلى أخرى دون وجل.
إن الشرطة قد أضحت فوق القانون، بل وعلى حساب النظام القضائي ذاته، وقد صار التعذيب خلال السنوات الأخيرة جريمة لا عقاب عليها .
إن المنظمة لم تكتف بسماع الضحايا، بل ذهبت إلى النيابة تسأل، لماذا لم تلحق بالجناة المجرمين العقاب، لماذا لم تحقّ الحقّ وتقيم العدل، وكانت الإجابة مروعة، فالنيابة لم يعد بمقدورها مساءلة ضباط أمن الدولة حول جرائم التعذيب، بنصوص في القانون دست عليه، و أقرها مجلس الشعب رغم أنهم لم يكونوا بحاجة حتى إلى تلك القوانين التي لا يحترمونها أصلا، حتى لقد وصل الأمر إلى أن أشار رئيس نيابة إلى أنه في الجرائم المتهم فيها ضباط شرطة، يقوم بنقل الملفات معه إلى المنزل عند مغادرته المكتب، حتى لا تتعرض للسرقة .
لم يكن الأمر قط حماية لنظام الحكم، ولم يكن مكافحة للإرهاب بل كان إجراما في إجرام..
لم يكن من أجل حماية النظام ومكافحة الإرهاب ما حدث للمواطن مخلوف عبد العال الذي تعرض للتعذيب في قسم شرطة الظاهر بالقاهرة، فقأ ضابط المباحث عينه وهتك عرضه وحطم عظامه، وظل يعذبه حتى الموت، و ذكر تقرير الطبيب الشرعي د- فخري محمد صالح على وجود كسور بالجمجمة وضلوع الصدر والجبهة والرسغ الأيسر وآثار نزيف بالفم.. ولم تكن القضية سياسية..ليست مكافحة الإرهاب إذن ولا حماية النظام الحاكم، وإنما إجرام في إجرام..
فلم يكن أيضا مكافحة للإرهاب ولا حماية للنظام قتل خفير الشرطة إبراهيم محروس على أيدي ضباط شرطة نقطة شنوان بشبين الكوم، وأشار تقرير الطبيب الشرعي إلى أن الوفاة نتجت عن كسور بالضلوع وتهتك بالرئة اليسرى وتجمع نزفي جسيم نتيجة الضرب بجسم صلب..
ولم يكن مكافحة للإرهاب ولا حماية لنظام الحكم ما حدث للمواطن لطفي الساعاتي الذي تعرض للتعذيب حتى الموت بقسم شرطة شبرا الخيمة وأثبت تقرير الطبيب الشرعي رقم 5845 آثار التعذيب بجسم صلب ولكمات قوية..
يذكر تقرير لمنظمة حقوق الإنسان أن كثيرين من ضحايا التعذيب قد شاهدوا ضباط الشرطة يتفاخرون بزهو أثناء تعذيبهم، ويتباهون بمدى السطوة التي تتمتع بها الشرطة، و أنها صارت الكل في الكل وأن رقبة البلد والحكم في أيديهم، و أن لديهم شيك على بياض بحمايتهم بكل الوسائل دون معقب..
لو أنني صرخت: لا أمن الوطن ولا أمن الحاكم يقتضيان هذا؛ بل أمن الشيطان في نفوس أشد دنسا من الشيطان ذاته، فهل أكون قد عبرت بما يناسب ما قرأتم؟.. هل يعبر ذلك عن كم العذاب والألم الذي يزلزل كيان هذه الأمة المقهورة المنكوبة ببعض أبنائها أكثر من نكبتها بكل أعدائها؟.
دعوني إذن أشهد أمامكم، والكلمات ذوب رصاص منصهر، والحروف أشد مرارة من سم زعاف، والاعتراف أشد قسوة من الموت.. 
أشهد: إن ما يحدث الآن ببلادي تحت ظل حكم أبنائها الوطني لم يحدث حتى تحت ظل الاستعمار الغربي لبلادنا.
 أقولها و أشهد بها رغم إدراكي أن حضارة الغرب بشهادة مؤرخهم الكبير أرنولد توينبي هي أكثر الحضارات إجراما في التاريخ..
يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه....
أخيرا أقرّ  بـِـها و أعترف ..
لطالما رغم الأسى والحزن والقهر كتمتها، لا عن شفتي فقط بل عن قلبي أيضا، ولشد ما أدنت نفسي حينما كانت تطوف بها كمجرد خاطرة أسارع بطردها والاستغفار عنها كأنها رجس من عمل الشيطان..
أقولها أخيرا، مجبرا أقولها، مضطرا أعترف بها، فالزمن يسير إلى الوراء..كنت أتمنى الموت قبل أن تنفرج عنها شفتاي..لكنها خلاصة اليأس والعجز والألم..مستقطر الدموع..قطع الدم المتجلطة على جبين ضحية..صراخ معذبين آناء الليل و أطراف النهار لا يدركهم حاكم ولا محكوم.أنين عرض يئن لانتهاكه..وصراخ طفل يعذبونه وهو لا يعرف لماذا يعذبونه..
لن أتحدث عما يحدث للمعتقلين السياسيين، بل دعوني أحدثكم عما يحدث للأطفال في بلادنا، الأطفال، الذين لم يكونوا محتاجين أبدا لعام للطفل تباركه السيدة الجليلة قرينة الرئيس الجليل، بل فقط ألا يفعل بهم ما سأرويه لكم على الفور.
قامت قوات كبيرة من الضباط والجنود المسلحين بالبنادق والمدافع الرشاشة باعتقال ثمانين طفلا تتراوح أعمارهم بين ست وعشر سنوات فضلا عن عدد من المشرفين على رحلة هؤلاء الأطفال. كان هؤلاء الأطفال يقضون فترة نصف أسبوع في معسكر ترفيهي بمدينة الإسكندرية، ويعمل آباء العديدين منهم أعضاء في هيئة التدريس بكلية طب جامعة المنوفية، وقد استأجر منظمو الرحلة عددا من الشقق المفروشة لإقامتهم..... .
في فجر اليوم الرابع، وقبل نهاية الرحلة قامت قوات الأمن بمداهمة أماكن إقامتهم ونقلت الأطفال والمشرفين وسط مظاهر الذعر والترويع إلى قسم شرطة المنتزه بالإسكندرية حيث أجبرتهم على قضاء بقية الليل على بلاط غرفة الحجز دون أغطية، وفي الساعة العاشرة صباحا نقلوا إلى مؤسسة رعاية الأحداث بالإسكندرية، ثم قاموا بالتحقيق معهم في مديرية الأمن التي قامت بنقلهم إلى مديرية أمن القاهرة التي قامت بنقل بعضهم إلى قسم بولاق الدكرور والبعض الآخر إلى قسم بوليس بندر شبين الكوم، و بعد قضاء يومين في التخشيبة استجوبتهم فيهما مباحث أمن الدولة، وتركزت التحقيقات معهم على الاستفسار عن مظاهر تدين أسرهم.
تم تسليم الأطفال إلى ذويهم بعد أن حصلوا على إقرارات منهم بعدم اشتراك أبنائهم في مثل هذه الرحلات مرة أخري..تم الإفراج عن الأطفال واستبقي المشرفون الذين اتهمتهم مباحث أمن الدولة بتكوين تنظيم سري يقوم بغسيل مخ الأطفال..
يا معشر القراء... يا أمة ...
إن ما تقرؤونه الآن ليس فيلما سينمائيا لهيتشكوك أو بيرجمان، ولا قصيدة شعر لأمل دنقل، ولا مسرحية لأنطونيو باينجو، ما تقرؤونه واقع حدث، منشور في مصادر عديدة، منها تقرير عن حقوق الإنسان أصدرته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.ما تقرؤونه حدث، يفوق أي خيال مهما بلغت بشاعته لكنه حدث ..ما تقرؤونه في جلسة استرخاء أمام شاشة تلفاز تنقل لكم عبر الأقمار كل ما هو مبهج حدث.. حدث و أنتم صامتون..
لعلكم تلجئون إلى مواقف و تفسيرات واحتمالات شتى كي تبرروا جريمة صمتكم.
أولها أن تتوقفوا عن قراءة ما أكتب، لأنني أوشك على المضي في سرد التفاصيل، ماذا حدث للأطفال وذويهم ومشرفيهم، هناك، من الشرطة؟.
ففي احتفالات عام الطفل، كانت الشرطة تشارك بطريقتها في الاحتفال الدامي..
يقول الأطفال الذين وقعوا ضحية لهذه العملية البشعة، الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والعاشرة، يقولون أن رجال الشرطة قد أساءوا معاملتهم، ووجهوا لهم شتائم بذيئة، وحجزوهم في غرف احتجاز ضيقة بدون أي تجهيزات، ولم تقدم لهم أطعمة وتعرض بعضهم للضرب بالأيدي والركل بالأقدام..
يقول الطفل أحمد عماد محمد عبد الوهاب، البالغ من العمر ثماني سنوات، أن معاملته كانت قاسية للغاية وشملت سبابا شديدا والضرب والركل، وقد تكررت نفس المعاملة في حالة الطفل هاني محمد علي بشير: 10 سنوات، والطفل عمر محمد شحاتة: 7 سنوات..
هذا ما حدث للأطفال، أما المشرفين فقد تم اعتقالهم بأمر من وزير الداخلية، حيث تعرضوا للضرب والسباب، للتجريد من الملابس والتعليق من الأيدي ومن الأرجل، للصعق بالكهرباء في أماكن حساسة من الجسم، لمنع الطعام والشراب وللعزل تماما عن العالم وفقا لأمر الاعتقال المستند إلى قانون الطوارئ.
لم يسكت آباء الأطفال..
كان معظمهم من أساتذة كلية الطب لذلك تقدموا بشكوى إلى نقابة الأطباء، فعقدت النقابة مؤتمرا صحفيا..حضرته منظمات عديدة ومندوبو الصحف ووكالات الأنباء، وشارك في المؤتمر الأطفال الذين تعرضوا للتعذيب، و أدلوا بشهاداتهم..
قبل المؤتمر بذلت الشرطة جهودا مكثفة لمنعه، وحين فشلت ترصدت الحاضرين حتى انتهي المؤتمر، وعند الخروج منه قامت الشرطة باختطاف ثلاثين شخصا، احتجزوا بقسم قصر النيل، حتى تم استصدار قرارات اعتقال لبعضهم، وكان ضمن الذين تم إلقاء القبض عليهم: الدكتور ثروت محمد إسماعيل الذي اختطف أثناء مغادرته للمركز الثقافي الفرنسي في شارع مواز لمقر النقابة وفي فجر اليوم التالي قامت الشرطة بالقبض على عشرات الأشخاص من بيوتهم بالقاهرة وخارجها..
ولم تكن الحادثة السابقة استثناء بل القاعدة..
 في حادثة أخري تذكر صحيفة الوفد أن الشرطة قامت بإلقاء القبض علي 41 طفلا ما بين الثانية عشرة والرابعة عشرة من أعمارهم، بتهمة انتمائهم إلى تنظيم إسلامي، وقضى الأطفال ثلاثة شهور في قسم شرطة البدرشين- جنوبي القاهرة - في غرفة واحدة مظلمة ورطبة تحت الأرض مع عدد من المجرمين الجنائيين، وتعرضوا خلال ذلك للضرب والسب.
يا معشر القراء ...
 يا أمة: لم تكن الحادثة السابقة استثناء بل القاعدة..
في 20-12-1992 نشرت صحيفة الجمهورية شبه الرسمية أن الشرطة أفرجت في يوم واحد عن 72 طفلا تراوحت أعمارهم بين 8-12 عاما بعد أن احتجزتهم لفترات مختلفة، ما لم تذكره صحيفة الجمهورية أن هؤلاء الأطفال صرحوا بأنهم تعرضوا لتعذيب مروع للإدلاء بمعلومات عن أماكن اختفاء أقاربهم..
يا مصريون يا عرب يا مسلمون، يا عالم: هذا هو الشر من أجل الشر
ليست حوادث فردية.
احتجزت الشرطة والدة وشقيقتيْ وشقيقيْ المتهم الهارب عنتر الزيات.. اعتقلت الشرطة محمد وأشرف الزيات: 15 و 16 عاما، تعرض الشقيقان للضرب لفترة طويلة في الدور الثاني بقسم إمبابة لإجبارهما على الإدلاء بمعلومات عن مكان اختفاء شقيقهما ثم جرى ترحيلهما إلى مقر معسكر الأمن المركزي على الطريق الصحراوي وأودعوا بعنبر يطلق عليه: (عنبر العيال)، وهناك تعرضا لتعذيب مبرح استمر 32 يوما شمل الضرب بأسلاك مجدولة، والتعليق في أوضاع مختلفة، والصعق بالكهرباء في الأعضاء التناسلية ..
اقرؤوا أيضا ..
توجهت قوة من الشرطة إلى منزل الطفلين:(...) 9 أعوام و (...) 12 عاما للبحث عن شقيقهما الهارب، ووجه أحد الضباط مسدسه إلى الطفل الثاني لاستخدامه كدرع واق لحمايته من أي هجوم محتمل، وجرى سؤالهم عن مكان اختفاء شقيقهم، وتعرض الأول لضرب مبرح لإنكاره معرفة مكان اختفاء شقيقه، ثم اقتادهما رجال الشرطة حفاة وبملابس النوم إلى أقاربهم الذين يحتمل اختفاء شقيقهم لديهم، ولما لم يجدوه اصطحبوا الجميع إلى قسم شرطة إمبابة، وفي الطريق إلى القسم غمس أحد الضباط وجه الطفل الأول في حائط مطلي بالبوية حديثا، وفي قسم الشرطة احتجز الجميع وتعرضوا للضرب..  يقول الطفل الأول: ضربوني بالأقدام فاصطدمت بالباب وسقطت على الأرض، ثم قام الجنود برفع أقدامي إلى أعلى وضربوني بعصا عليها كثيرا، ثم وضعوها في الفلكة، وبعد أن ضربت طلبوا مني الجري حتى لا تتورم قدماي، وبعد أن انتهوا وضعوني في حجرة وأغلقوا علي الباب رغم صراخي لمعرفة مصير شقيقي الصغير الذي وضع في مكان آخر، وفي المساء قبضت الشرطة على الشقيق الهارب، وأدخلوا الطفلين المحتجزين عليه، حيث شاهداه وهو معلق ويتعرض للتعذيب، ويضيف الطفل: رأيت أخي ينزف دما من فمه، وكان لا يستطيع الوقوف على قدميه، وكان أحد الضباط يضربه بخشبة ..
هل قرأتم؟..هل قرأتم أيها المخدوعون، الذين تدافعون عن ممارسات النظام..
هل تحتاجون إلى مزيد؟.
لدينا منه الكثير جدا، لكنني أشعر بالاشمئزاز والقرف، بالانسحاق.
و كواجب ثقيل أجد لزاما علي أن أنهي إليكم ما كان يحدث للأطفال في معسكرات و أقسام الشرطة، في عهد زعموا أنه عهد الديموقراطية التي لا تصادر رأيا ولا تكسر قلما، بينما كان الواقع أنها تصادر الحياة وتكسر الرقاب، اقرؤوا معي عن ماذا كان يحدث لهذا الطفل إبان اعتقاله، اقرؤوا ما ورد في شهادة أحد المحتجزين بقسم شرطة قصر النيل في أعقاب ندوة نقابة الأطباء عما سمّي بتنظيم الأطفال: كان هناك نحو خمسين شخصا في حجرة لا تتعدى مساحتها 4x 5 أمتار مما اضطر البعض للنوم في دورة المياه القذرة. من بين المحتجزين لاحظتدورة المياه القذرة. من بين المحتجزين لاحظت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.