الحروب الصليبية

السبت، 8 يناير 2011

لأنه الإسلام............................... مقال الدكتور جابر قميحة

في سنة 1930 أصدرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قانونًا تحرم به الخمر تحريمًا قاطعًا: شربًا وتجارة وتصنيعًا، ورصدت الحكومة إمكانات ضخمة لتنفيذ هذا القانون، وقامت رابطة "محاربة الحانات anti saloon league" بدعاية واسعة النطاق ضد الخمر بإلقاء الخطب، وتأليف الكتب والرسائل وعرض المسرحيات وأفلام السينما.
وتقول الإحصاءات إنه أنفق في سبيل القضاء على الخمر 65 مليون دولار، وإنه بلغ عدد الصفحات التي سود بياضها لبيان مساوئ الخمر والزجر عنها 9 آلاف مليون صفحة.
وتدل الإحصائيات التي أذاعها ديوان القضاء الأمريكي للفترة الواقعة بين يناير 1930 وأكتوبر 1933 أنه قتل في سبيل تنفيذ هذا القانون 200 نسمة، وسجن نصف مليون وصودر من الأملاك ما يساوي 400 مليون جنيه مصري، وكانت النتيجة بعد كل هذه المعاناة الطويلة... لا شيء!! مما دفع الدولة إلى إلغاء القانون إلغاء نهائيا، وإباحة الخمر للناس بلا قيود.
فإذا نظرنا إلى موقف الإسلام من الخمر، ومنهجه في تحريمها وجدنا أن مسيرة هذا التحريم قد مرت بعدة مراحل استغرقت قرابة عشر سنين ابتداء من التلميح البعيد، وانتهاء بالتحريم الحاسم القاطع الذي لا يحتمل التأويل والتحريف:
1. التمهيد للتحريم بالتلميح البعيد: وذلك في الآية 67 من سورة النحل (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكَرا ورزقا حسنًا) والآية مكية بلا خلاف، وهي تصور حالة العرب، وتذكرهم بنعم الله، ومنها: بلح النخيل وأعناب الكروم: يتخذون منها (سكرا) أي خمرا، وتجارة طيبة حسنة، إذ تتخذ طعامًا من بلَح وتمر وعنب وزبيب، ووصفت الآية الرزق بالحسن، ولم تخلع هذا الوصف على السَّكَر ، أي الخمر ، مما يوحي بأنها "رزق سيئ أو غير حسن" كأن أقول : "استقبلت طالبين: سعدًا، ومحمدا المجتهد" فالعبارة توحي أن الأول غير مجتهد.
2. التمهيد للتحريم بالتصريح المباشر: ففي العالم الأول للهجرة سأل بعض الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر، فنزل قوله تعالى : ?يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما? [البقرة 219]، ورجحت الآية جانب الإثم على جانب النفع، لذلك هجرها كثير من المسلمين، وكانت الآية بذلك تمثل الخطوة الثانية للتهيؤ النفسي نحو التحريم القاطع الحاسم.
3. التحريم الموقوت: فبعد سنوات أمّ أحد الصحابة جماعة من المسلمين في الصلاة وهو سكران فقرأ ?قل يا أيها الكافرون.. لا أعبد ما تعبدون.. ونحن نعبد ما تعبدون" فنزل قوله تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون? [النساء 43]، فحرمت الآية أن يصلي المسلم - إماما أو مأمومًا- وهو سكران، وهذا يعني أن يترك المسلم الشرب عامة النهار وأول الليل لانتشار الصلوات الخمس في هذه المدة، فالوقت الذي يبقى للسكر هو وقت النوم بعد العشاء إلى السحر، فيقل الشرب فيه لمزاحمته للنوم الذي لا بدّ منه، وأما أول النهار من صلاة الفجر إلى وقت الظهيرة فهو وقت العمل والكسب لأكثر الناس، ويقل أن يسكر فيه غير المترفين الذين لا عمل لهم.
وبذلك أقلع أغلب الشاربين عن الخمر، بعد أن صعب ، بل استحال التوفيق بين أوقات الصلاة، وفرصة الشرب والسكر.
4. التحريم النهائي القاطع: يقال : إن بعضًا من الأوس وبعضًا من الخزرج سكروا في حانة يهودي بالمدينة، فدب بينهم خلاف على أمرٍ فكاد يدب بين الفريقين قتال ضارٍ فنزل قوله تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون.. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة.. فهل أنتم منتهون...? [المائدة 90-91]
قال المسلمون انتهينا.. انتهينا، وقال أحد الصحابة: "لو وضعت إصبعي بعد ذلك في كأس من الخمر لقطعتها"، وقال آخر: "لو سقطت نقطة من الخمر على الأرض وبني فوقها مسجد ما صليت فيه"، وهذا يدل على سرعة استجابة المسلمين لهذا الأمر الإلهي بالتحريم القاطع.
لقد نجح التشريع الإسلامي فيما أخفق فيه القانون الأمريكي، لأن التشريع الإسلامي عالج الأمر معتمدًا على التمهيد النفسي بالتدريج على مدى عشر سنوات، ولم ينزل "الحظر النهائي الحاسم" إلا بعد أن تهيأت النفوس له تمامًا، لأن النفس البشرية تنفر مما يُفرض عليها، دون إعداد واستعداد.. والله خالق البشر هو أعلم بطبائعهم، وبذلك حقق الإسلام -وهو دين الفطرة- نجاحا باهرًا فيما أخفق فيه القانون الوضعي إخفاقًا ذريعًا.
ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير?!! صدق الله العظيم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.