الحروب الصليبية

الثلاثاء، 22 فبراير 2011

ما بعد الثورة............إبراهيم العسعس


 اسمحوا لنا أن نستخلص العبر مما جرى . اسمحوا لنا أن نفكر في مواقف الدول الغربية من الانتفاضة( ليست ثورة إلى الآن) ، ومن نظام مبارك ، والتي لم يقف معه أحد منها إلا الكيان الصهيوني !!
واسمحوا لنا أن نتكهن بسيناريو محتمل للسياسة الأمريكية ونظرتها للأنظمة العربية . أو لنكن أكثر طمعاً ؛ فاسمحوا لنا أن نضع أنفسنا في المجلس الذي يرسم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ، وأسلوب المعالجة المحتمل لقائمة المشاكل ، والنظرة إلى المنظومة العربية القديمة ، ولنفكر قليلاً بعقليتهم :
  
    1ـ بـَنـَت أمريكا علاقتها مع الأنظمة العربية ، فدعمتها بالأموال والمساعدات .. على أن تقوم هذه الأنظمة بحفظ مصالح أمريكا في المنطقة ، وعلى أن تمسك هذه الأنظمة بزمام الأمور فلا تفقد السيطرة على الأمن الذي يؤذي انفلاته الأمن القومي الأمريكي .
  
    2 ـ ثم تبين لأمريكا ، وبالذات بعد (11/9 ) ، أن هذه العلاقة كانت خاطئة ، وأنها راهنت على الجواد الضعيف ، فهذه الأنظمة لم تلتزم بما ينبغي عليها فيما يتعلق بالمحافظة على أمن أمريكا القومي ، فقد انشغلت هذه الأنطمة الذين صنعتهم حولها بتحصين أمنها ، وأنفقت من أجل ذلك أغلب المنح التي قدمت لها على صناعة أجهزة أمنية كثيرة العدد ، قوية العدة ، أما باقي المنح فقد استأثرت بها السلطة هي وأزلامها، وأخذوا يجمعون المال بفحش ونهم ، وتركت شعوبها تتلظى بنار الفقر والبطالة ! وكانت أمريكا تشيح بوجهها عن كل هذا على أمل أنَّ هذه الأنظمة ستقوم بدور خط الدفاع الأول لها ، وستنفذ سياساتها في المنطقة .
  
    وإذن فقد استطاعت هذه الأنظمة أن تحمي نفسها ، وتمسك أمنها الداخلي بقبضة حديدية بدعم مادي وعسكري ومعنوي أمريكي .
   
   3 ـ فما هي نتيجة هذه المعاملة الأمريكية مع هذه الأنظمة ؟!
غرقت الشعوب بالفقر ، واتسعت الهوة بين طبقات المجتمع بشكل غير معقول .
     وأثناء ذلك كانت حركات التغيير الإسلامية تحاول إصلاح الأمور من أسفل بطريقة سلمية ، ولكن محاولاتها انتهت إلى الفشل والملاحقات ... فتوصل قطاع كبير من الجسم الإسلامي إلى قناعة مفادها أن الإصلاح من أسفل طريقة فاشلة ، ولا بد من محاربة رأس النظام ، فأفرزت الحركة الإسلامية تيارات جهادية أخذت على عاتقها إسقاط الأنظمة بالحوار المسلح . ولكن هذا الحوار اصطدم بسد منيع من الأجهزة الأمنية ، والإجراءات القاسية ... ولذلك لم تؤدي هذه الطريقة إلى نتيجة ...
 
    بدأت تتطور قناعات هؤلاء وقالوا : إن هذه الأنظمة منيعة بالدعم الأمريكي ؛ السياسي والعسكري والأمني ، فتحولت أنظارهم إلى ضرب أمريكا في عقر دارها
وهنا كانت (11/9) في نظر القرار الأمريكي إفرازاً لهذه العلاقة الخاطئة ، ولعدم حكمة هذه الأنظمة وتوغلها في الفساد .. ومن هنا كان التحول الأمريكي ! لماذا ، وكيف ؟!
 
    4 ـ لقد كان أهم مبدأ أمريكي منذ الثلث الأول من القرن العشرين ، هو أن تخرج أمريكي إلى أرجاء العالم تتابع مصالحها ، ومن أراد الانتقام منها فليشتبك معها من خلال أذرعها المتمركزة خارج الخارطة الأمريكية ، ومن غير المسموح لأي شخص أن يضرب أمريكا داخل حدودها ، لأن الضرب داخل القارة قد يؤدي إلى تحطيم هذه الإمبراطورية وانهيارها ، فقد أسست هذه الإمبراطورية على تجميع أعراق مختلفة ملمومة من كل العالم ، فإذا ضربت من داخلها فإن هذه الخلطة ستفقد توازنها، إلى غير ذلك من الأسباب .
 
     والنتيجة التي توصــل إليهـــا الاستراتـــيجي الأمـــريكي أن العلاقـــة الحقـــيــقـــيــة والسلـــيـــمة _ بالنسبة لأمريكا بالطبع _ يجب أن تكون مع الشعوب ، وليس مع الأنظمة الفاسدة ، لا لأن أمريكا تكره المفسدين ، أو لأنها تكترث بشعوب المنطقة ، بل لأنها في النهاية تريد المحافظة على أمنها القومي خارج وداخل أرضها أولاً ، وثانياً لأنها تريد أن تمر مصالحها دون مشاكل ، وأن تسير حلولها المتعلقة بمشكلة الشرق الأوسط دون تباطؤ. ولأنَّ هذه الأنظمة البالية أصبحت بتركيبتها معيقة لهذه السياسة ، كان لا بد من البحث عن بديل ...
 
    5 ـ وهنا ملاحظتان غاية في الأهمية شجعت أمريكا على البحث عن البديل:
الأولى : أن بعض هذه الأنظمة بدأت تبني علاقات إستراتيجية مباشرة مع الكيان الصهيوني ، والمفروض أن علاقة هؤلاء مع الكيان الصهيوني يجب أن تمر بواشنطن! ولكن هذه الأنظمة ضربت بهذه القاعدة عرض الحائط .
 الثانية : أن هذه الأنظمة أصبحت عاجزة عن مواجهة التيارات الناشئة التي تفاصل الغرب مفاصلة تامة ، وتحمله مسؤولية كل ما يجري في المنطقة ، والتي نقلت ساحة المعركة إلى أراضي الغرب ، وصارت تضربه أينما وجد .
   وإلى هنا بدأ عهد جديد سيبدأ فيه تغيير الفكر الاستراتيجي الأمريكي وعلاقته بالعالم
  
    6 ـ أمريكا لا يهمها أي تغيير في الداخل ، ولا يهمها من يأتي ليحكم ، ما دام نشاطه سيتركز في الداخل ، ودون أن يقفز طموحه إلأى السياسات الخارجية التي تمس أمريكا وسياساتها ... وإذن فلتبحث أمريكا عن البديل ...
     تدرك أمريكا أن قاعدة الشعوب في المنطقة هو الإسلام ولكن أي إسلام ، وأية شعوب ؟ ... وتدرك كذلك أن العدو الاستراتيجي لأمريكا في المنطقة هو الإسلام ... فكيف تحل هذه الأحجية ؟!!
 
    تفتق ذهن الاستراتيجي الأمريكي أن يحلها بالإسلام !! يعني ليقف الإسلام أمام الإسلام ، ولتـــشعر الشعوب بأنها تتحرك بقرارها هي لا بقرار غيرها لها ، وهذا لا يكون إلا بالديمقراطية .. وإنه لسؤال كبير ، وتحدٍّ أكبر ...
كانت إجابته بفكرة ( وهذا سيناريو محتمل ) :( ديمقراطية الإسلام المهجن ، تحت عصا الجيش المأمرك ) . والنموذج التركي حاضر وشاهد ...بمعنى أن تنتج الديمقراطية إسلاميين( وسطيين ) تحت إشراف الجيش المؤمرك . 
وأنا هنا لا أتحدث عن عمالة ، وإنما أتحدث عن القدرة على تحريك الواقع الموجود ضمن مسار معين يشعر فيه الجميع بأنه عضو فاعل في اللعبة . فالثورات صادقة وصحيحة ، والدوافع حقيقية وموجودة ، المهم من يستثمر هذه الثورات ...
   
    هذا هو شكل الأنظمة الذي يتم الترتيب له ، فعلى الثوار أن يتـــنبهوا ...
وهذا هو السيناريو القادم فماذا على الثوار أن يفعلوا ؟
أيها الاخوة في تونس وفي مصر لا زالت الفرصة قائمة لإفشال هذا السيناريو ، ولا زال الشارع حامياً ، ولا زالت النفوس مستعدة ... كي لا تضيع الدماء ، وكي لا تجهض الانتفاضة ، بل لتكتمل وتـنشأ شيئاً آخر اسمه الثورة ... والله الموفق ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.