الحروب الصليبية

الاثنين، 14 فبراير 2011

لبيبة أحمد أول رئيسة لقسم الأخوات المسلمات في جماعة الإخوان المسلمين


 
نشأتها
ولدت ابنة الدكتور أحمد عبدالنبي بمدينة المحمودية, بالبحيرة في سنة (1292 هـ = 1875م) في أسرة كريمة عنيت بتربيتها وتعليمها، فأخذت دروسا في منزلها في اللغة العربية و السيرة النبوية و آداب الشريعة على أيدي سيدات فضليات اشتهرن بتعليم بنات الأسر الكريمة، ثم التحقت بالمدرسة السنية بالقاهرة. 
حياتها العملية
بعد تخرجها في المدرسة راسلت الصحف بمقالاتها تحت اسم مستعار، ثم تركت حياة العزلة وانضمت إلى الثورة الوطنية التي اشتعلت سنة (1338 هـ = 1919م)، وبجهودها مع هدى شعراوي ونبوية موسى قامت المظاهرة النسائية الكبرى في (13 جمادى الآخرة 1337 هـ = 16 مارس 1919م) احتجاجا على فظائع الإنجليز في مقاومة الثورة الوطنية، وقد لفتت هذه المظاهرة أنظار العالم إلى مكانة المرأة المصرية. وقد ضمت هذه المظاهرة ثلاثمائة سيدة كان من بينهن حرم كل من محمود سامي البارودي، وسعد زغلول وقاسم أمين.
بعد تأسيس الاتحاد النسائي سنة (1342 هـ = 1923م) بزعامة هدى شعراوي أخذت سيرة النهضة النسائية بمصر الطابع السياسي، وتأثرت بالأفكار الأوروبية، ورأت لبيبة أحمد أن هذا لا يعبر عن السواد الأعظم من النساء المصريات فأسست "جمعية نهضة السيدات المصريات" وهي جمعية ذات طابع اجتماعي أخلاقي، تهتم بتحسين المستوى الخلقي والديني المستمد من الشريعة الإسلامية، وتهدف إلى زيادة فرص التعليم أمام الفتيات، ومحاولة جعله إجباريا في المراحل الأولى، بالإضافة إلى العناية بأحوال الطبقة العاملة المصرية، وتشجيع الصناعات الوطنية والتجارة المحلية.
كانت لهذه الجمعية مجلة تنطق باسمها عرفت بمجلة النهضة النسائية، ظلت تصدر عشرين عاما حتى توقفت سنة (1361 هـ = 1942م) وكانت لبيبة أحمد تكتب افتتاحياتها التي دارت حول إصلاح المرأة وترقيتها وتعليمها والحجاب والسفور ومناهج التربية في مدارس الفتيات، وكان يشارك في تحريرها مجموعة من كبار الكتاب من أمثال الرافعي وشكيب أرسلان وفريد وجدي ومحب الدين الخطيب.
لما أنشأت جماعة الإخوان المسلمين لجنة للأخوات المسلمات بالقاهرة رأستها لبيبة أحمد، وكانت كبرى لجان الأخوات المسلمات، وتكونت بعد ذلك عدة لجان حتى بلغن خمسين لجنة سنة (1368 هـ = 1948م) عندما تم حل جميع شعب الإخوان المسلمين، وكان المرشد العام للإخوان حسن البنا يشرف على هذه اللجان. من نماذج النساء اللائي أعدن للأمة صورة المرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث فهم الإسلام الصحيح، والعمل على منهجه.. السيدة لبيبة أحمد، رائدة النهضة النسائية المسلمة في القرن العشرين.
رسائل للسيدة لبيبة
الرسالة الأولى
من الفاضلة "روز حداد" صاحبة مجلة السيدات والرجال: "حضرة الفاضلة المصونة الكاتبة البليغة السيدة لبيبة أحمد هانم المحترمة تحية وسلامًا، وبعد: كم يجب عليَّ أن أشكر الظروف التي كانت سببًا لتعرفي بك؛ لأنني عرفت وصيفة فاضلة، ومهذبة خبيرة، وعاملة غيورة، وسيدة جليلة، لا أستطيع أن أعبر عن إعجابي بتلك الكلمات المؤثرة البليغة التي تفضلت بإلقائها في الحفلة، فقد كانت آيات بينات نطق بها لسان الحكمة عن الروح الوطنية التي نحتاج إليها، وإننا بحاجة إلى عاملات جادات للقيام بحركتنا الوطنية هذه، فأرجوك أن تتفضلي بإرسال صورتك مع لمحة من تاريخ حياتك لنشرها بالمجلة".
الرسالة الثانية
من ديوان كبير الأمناء بالقصر الملكي بمصر: "حضرة السيدة الفاضلة صاحبة مجلة النهضة النسائية.. لقد رفعت إلى أنظار حضرتي صاحبي الجلالة الملكية مجموعتي مجلتكم الغراء، فنالت القبول الحسن لدى جلالتيهما، وإني أتشرف بإبلاغكم ذلك مع الشكر السامي.. وختامًا أرجو قبول فائق الاحترام.
22 أكتوبر 1926
كبير الأمناء

ثناء الإمام البنا عليها
وحين رشحها الإمام البنا لتولي رئاسة قسم الأخوات- وهو مَن هو في تقييم الشخصيات- قدمها إلى الأخوات المسلمات بمقدمة ضافية، زكاها في جوانب متعددة، وأثنى عليها ثناءً جمًّا مطولاً، نشعر فيه بالتقدير الشديد والاحترام الوافر، يقول فيه: "مثال المرأة عرفتها في كتابتها، فعرفت فيها روحًا إسلاميًّا قويًّا يفيض بالإسلام ويعتز به، ويدعو إلى تعاليمه وآدابه.. وتقابلنا فإذا أنا أمام سيدة جليلة، خبرت الحياة وجربتها، وأفادت من حياتها الفاضلة التي صحبت فيها الأدوار القريبة والبعيدة للنهضة الحديثة، فقارنت بينها، ورأت ما فيها من محاسن ومساوئ، خبرة واسعة بالعلاج الناجع لعلل الأمة الاجتماعية".

ويقول البنا أيضًا: حضرتنا الصلاة في أثناء الحديث، فقمتُ لأدائها، فكانت هي الأخرى على وضوئها، وأدينا صلاة العصر في جماعة، وهي في ذلك حُجة على كثير من نسائنا اللاتي يتكاسلن عن أداء الصلاة؛ بل شبابنا الذين لا يشعرون بهذه الفريضة وهي لب الإسلام.. تلك الفضائل التي أنِستُها من السيدة لبيبة هانم جعلتني أدعوها بكل ثقة واطمئنان إلى (رئاسة (فرق الأخوات المسلمات عامة)، وكم كنتُ مسرورًا حين قبلتْ هذه الدعوة النزيهة، وعاهدتْ الله على أن تعمل لها بكل ما وهب لها الله من قوة ومضاء".
فإلى الأخوات المسلمات الكريمات: أقدم رئيستهن العاملة المجدة، سائلاً الله- تبارك وتعالى- أن يمد في حياتها، وأن يسدد خطانا جميعًا إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين".

عملها في خدمة الإسلام
تحدثها فترى في حديثها معنى الخوف من الله والإيمان القوى المتين بواجب المسلم والمسلمة في العمل لإعادة مجد الإسلام.
مكثت رئيسة تحرير جريدة النهضة النسائية ثلاث عشرة سنة على أدق نظام وأحكمه، وتابعت سيرها المبارك بهمة ونشاط، وفي عام 1933م تولت رئاسة قسم الأخوات المسلمات حتى عام 1937م.
ومن مقال لها في مجلة (الإخوان المسلمون) لها تقول: "أساس إصلاح الأمة إصلاح الأسرة، وأول إصلاح الأسرة إصلاح الفتاة"، وقولها: "المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها"

رسالة الأخوات المسلمات
من السيدة لبيبة هانم أحمد
رئيسة قسم الأخوات المسلمات
بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي وبناتي:
أحمد إليكن الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وأحييكن بتحية الإسلام، فالسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.
كم أنا سعيدة مسرورة بأن أتقبل هذه الدعوة من حضرة المرشد العام للإخوان المسلمين للتشرف بخدمة مبادئكن والتقدم لرياسة فرقكن.
وإني مع ضعفي عن احتمال هذا العبء، وعجزي عن القيام بهذه المهمة، أعتقد أني سأجد من معاونتكن ما يجعلنا نصل إلى الغاية التي ننشدها من نشر
تعاليم الإسلام، وبث آدابه ومبادئه في نفس الفتاة المسلمة والأسرة المسلمة، والله المستعان.
يا بناتي وأخواتي:
إن الأمة- كما ترون- في تدهور خلقي، وخلل اجتماعي، بدت أعراضه في كل مظهر من مظاهر الحياة؛ في المنزل وفي الشارع، في المصنع وفي المتجر، وفي كل بيئة وفي كل وسط، ودوام هذا الحال يؤدي بنا إلى أوخم العواقب وأحط النتائج.

وأساس إصلاح الأمة إصلاح الأسرة، وأول إصلاح الأسرة إصلاح الفتاة؛ لأن المرأة أستاذ العالم، ولأن المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها.
وإن على الفتاة المسلمة أن تفهم أن مهمتها من أقدس المهمات، وأن أثرها في حياة أمتها أعمق الآثار، وأن في مقدورها أن تصلح الأمة إذا وجهت عنايتها لهذا الإصلاح.
لهذا نحن نريد أن نصلح أنفسنا، وأعتقد أن في تعاليم الإسلام وأحكامه- إن علمناها وعملنا بها- ما يكفل لنا هذا الإصلاح المنشود.
وإذًا فهيا يا أخواتي وبناتي نصلح أنفسنا لنفهم الإسلام والعمل به وبث تعاليمه في نفس المرأة المسلمة، فإن صلحنا صلحت بصلاحنا الأسرة، وكان عن ذلك صلاح الأمة جمعاء.
ذلك ما أردت أن أبينه لكن كمنهاج لعملنا الذي ندبنا أنفسنا له، واللهَ أسأل أن يوفقنا إلى ما فيه الخير لأمتنا العزيزة المفداة.
لبيبة أحمد

من الأخوات المسلمات
وقد لقي مقالها السابق تجاوبًا وأثرًا عند الأخوات المسلمات، فكتبت إحداهن مقالاً طيبًّا وخطابًا مفتوحًا تحت عنوان:
"إلى السيدة المحترمة لبيبة هانم أحمد" قالت فيه:
سيدتي الفاضلة: أقدم لحضرتك عظيم شكري ووافر امتناني، وأهنئك تهنئة نطق بها قلبي قبل لساني على تلك الخطوة الموفقة التي تقدمت بها في سبيل خدمة الدين والإنسانية، وبث الروح الإسلامية في نفوس الذين ضلوا عنها، ورجائي أن تتقبلي هذه التهنئة من فتاتك التي لا ترجو من الحياة إلا أن ترى ديننا الإسلامي يسمو إلى أقصى حدود الرقي.
سيدتي: لساني عجز عن وصف مقدار السرور والابتهاج الذي ملأ قلبي حينما وقع نظري على مجلة (الإخوان المسلمون) على مقالتك القيمة التي تفيض نورًا وعلمًا، وتؤكد لمن قرأها أنه ما زال في زماننا هذا نساء طاهرات ينهجن نهج نساء السلف الصالح، وكأن الفضيلة قد كشفت لنا ستارًا من أستارها السندسية الخضراء، فأظهرتك لنا كالكوكب اللامع لتستنير منك عقولنا التي تحتاج إلى الإرشاد.
وما انتهيت من قراءتها حتى شعرت بدافع يدفعني لمشاركتكن في خدمة ديننا العزيز، وهذا ما كانت تصبو إليه نفسي، وقد حقق الله أملي.
سيدتي وأخواتي المسلمات: إنه من الواجب المحتم علينا جميعًا أن نعمل بقدر ما نستطيع لمناصرة ديننا الإسلامي، ورفع كلمته فوق كل كلمة، وإنقاذ الفضيلة التي تزداد في التدهور، وأن تغضضن أنظاركن عما يلهيكن عن العبادة والتقوى، وأن تظهرن بمظهر الحشمة التامة والوقار.
سيداتي وأخواتي: إنه ليؤلمني، ويؤلم كل مَن له قلب، أن نمر على المساجد التي هي بيوت الله في أيام الجمعة خصوصًا، فنجد القسم الذي أعد خصيصًا للسيدات خاليًا منهن وأبوابه، موصدة على حين أننا نملأ السينمات والملاهي التي لا تفيدنا شيئًا؛ بل تفسد أخلاقنا وتذهب أموالنا، ويجب علينا أن نترك التبرج، فإن في ذلك الدواء الناجع لهذا الكساد الذي ضرب أطنابه علينا، والله ولى التوفيق.
آنسة .ك.ف
الوفاة
ظلت لبيبة أحمد على جهادها حتى بلغت السبعين من عمرها، فآثرت أن تستريح من عناء لا تستطيع شيخوختها الواهنة القيام به، فعكفت في بيتها على قراءة كتب الشريعة والتاريخ الإسلامي حتى توفيت سنة (1385 هـ = 1955م) عن ثمانين عاما.وقد أدت فريضة الحج حوالي ستة عشر مرة، وأقامت بصفة دائمة في أرض الحجاز مهبط الوحي، والتي كان لها بها شغف شديد.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.