الحروب الصليبية

الثلاثاء، 15 فبراير 2011

ثمان وقفات مع المحتفلين بالمولد النبوي كتبها د.عارف عوض الركابي


يحتفل كثير من الناس في هذه الأيام بما عُرِف بالمولد النبوي ، وتتنوع مظاهر هذه الاحتفالات ، وتنصب الأعلام والرايات لأصحاب الطرق الصوفية في كثير من الميادين والساحات في كثير من البلدان ، وتنشد القصائد والمدائح ، ويحصل من الأمور الكثيرة المعروفة لدى الصغار قبل الكبار، ومن باب قوله عليه الصلاة والسلام : (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري ، فإن لي بعض الوقفات التي أضعها بين يدي إخوتي وأخواتي القراء ، سائلاً الله تعالى أن ينفع بها :


الوقفة الأولى: إن من المعلوم أن من يحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم يدفعه إلى ذلك محبته للنبي صلى الله عليه وسلم، ورغبته في إظهارهذه المحبة ، ولا يخفى أن محبته عليه الصلاة والسلام من الواجبات العظيمة في الدين ، ولما كانت محبته تستلزم اتباعه وطاعته والتأسي به ، كان لزاماً على كل من يحتفل بالمولد النبوي أن يتأكد ويتحرى من أن هذا الاحتفال بالمولد لا يوقعه في مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يناقض محبته التي يرجوها.
وهذا الأمر ـ المهم جداً ـ يتطلب التجرد التام والبحث برغبة صادقة للوصول إلى النتيجة التي يتحقق بها موافقة الشرع والحصول على الأجر والثواب .

الوقفة الثانية: من المؤكد جداً ، والذي لا يختلف فيه اثنان أن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة رضوان الله عليهم وفي عهد التابعين وحتى سنة ثلاثمائة وخمسين للهجرة لم يوجد أحد ـ لا من العلماء ولا من الحكام ولا حتى من عامة الناس!! ـ قال بهذا العمل أو أمر به أو حث عليه أو تكلم به.

وإن من المعروف في التاريخ ـ أيضاً ـ أن أول من أحدث ما يسمى بالمولد النبوي هم بنو عبيد الذين اشتهروا بالفاطميين وهم أصحاب بدع وتحريف للدين كما سطر عنهم ذلك في التاريخ ، وبالتالي فهو أمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام ، وهنا موضع تساؤل مهم !! 
لماذا لم يفعله الصحابة الكرام ولماذا لم يأمروا به ؟! إذا كان هذا الاحتفال يعبّر عن محبة للنبي المصطفى عليه الصلاة والسلام فلماذا لم يأمر به عليه الصلاة والسلام ؟! وقد قال : (والذي نفسي بيده ، لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه من وَلَدِهِ ووَالِدِهِ ).أخرجه البخاري ومسلم.

وإذا كان هذا الاحتفال مما يُتقرب به إلى الله تعالى فلماذا لم يفعله الصحابة الكرام ، وهم أكثر وأشد الأمة محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ضربوا الأمثلة العظيمة والرائعة في إثبات محبتهم للنبي أشد من محبة النفس والولد والوالد.
الإجابة التي لا ينبغي أن يختلف عليها اثنان : أن يقال "لو كان خيراً لسبقونا إليه".
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ : (وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة: هو بدعة ؛ لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه ، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها).
هؤلاء السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم لا يمكننا أن نتصور أنهم جهلوا خيراً يُقربهم إلى الله زلفى وعرفناه نحن !! وإذا قلنا إنهم عرفوا كما عرفنا؛ فإننا لا نستطيع أن نتصور أبداً أنهم أهملوا هذا الخير.

الوقفة الثالثة: هناك آيات وأحاديث كثيرة تبين أن الإسلام قد كَمُلَ ، وهذه حقيقة يعرفها العالم والجاهل والأمي وغيرهم ، وقد قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً).
وقد سبق بيان أن هذا المولد لم يكن في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا فنقول : إن هذا المولد إن كان خيراً فهو من الإسلام ، وإن لم يكن خيراً فليس من الإسلام؟
ويوم أُنزلت هذه الآية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) لم يكن هناك احتفال بالمولد النبوي ؛ فهل يكون ديناً يا ترى؟!
فالمولد إذا كان من الخير فهو من الإسلام ، وإذا لم يكن من الخير فليس من الإسلام ، وإذا اتفقنا أن هذا الاحتفال بالمولد لم يكن حين أُنزلت الآية السابقة؛ فبديهي جداً أنه ليس من الإسلام.
ومما يؤكد هذا المعنى قول إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة " ، ثم قال : "اقرأوا إن شئتم قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً) ، فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً". انتهى كلامه.
متى قال الإمام مالك هذا الكلام؟! في القرن الثاني من الهجرة ، أحد القرون المشهود لها بالخيرية!
فما بالنا بالقرن الخامس عشر؟!
ولنتأمل ـ مرة أخرى ـ قوله : "فما لم يكن يومئذٍ ديناً؛ فلا يكون اليوم ديناً".
اليوم الاحتفال بالمولد النبوي (دين) ، ولا نحتاج إلى إثبات ذلك بالأدلة ، فهي من أوضح الواضحات.
فكيف يكون هذا من الدين ولم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ولا في عهد التابعين ولا في عهد أتباع التابعين؟!

الوقفة الرابعة: إذا كان الاحتفال بالمولد النبوي بهذا الشأن فإنه يدخل ضمن البدع التي نهى عنها الشرع ، قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ : (فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه ، فهو ضلالة ، والدين بريء منه ، وسواء في ذلك مسائل الاعتقاد أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة) جامع العلوم والحكم ص233.
والوقوع في البدع من الخطورة بمكان ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (وكل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم ، وقال عليه الصلاة والسلام : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم قال عليه الصلاة والسلام : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
هذه النصوص وغيرها مما تدفع المسلم لأن ينتبه لأمره ، ويخاف من الوقوع في مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يحرص على التزام سنته ولا يعارضها بتقليد أو هوى أو تعصب لرأي أو طريقة أو غير ذلك ، فإن الله تعالى قد حذرنا جميعاً من مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

الوقفة الخامسة: أن هذا المولد فيه مشابهة واضحة لدين النصارى الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح ـ عليه السلام ـ وقد نهينا عن التشبه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود والنسائي وابن حبان ومخالفة الكفار فيما اختصوا به من الأصول المهمة في دين الإسلام.

الوقفة السادسة: إن فاعل هذا المولد واقع فيما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته صراحة عنه ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري ، وفي رواية للإمام أحمد في المسند : (ولا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله) ، فقد نهى عن تجاوز الحد في إطرائه ومدحه ، وبين أن هذا مما وقع فيه النصارى وكان من أسباب انحرافهم. 
وما يفعل الآن من الموالد من أبرز مظاهر الإطراء ، وما تشتمل عليه أبيات كثير من المدائح أوضح دليل على الوقوع في هذا الغلو ـ والعياذ بالله ـ مثل قول عبد الرحيم البرعي السوداني في ديوان رياض الجنة واصفاً النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
نجّى لنوح من مياهو ***** وإبراهيم من لظـاهو
جدو إسماعيل فداهو ***** وبيه أيوب نال شفاهو
ومثل القيام لزعم حضوره عليه الصلاة والسلام وترديد :(مرحباً يا مصطفى يا مسهلا) ،كما يفعل أتباع الطريقة الختمية الميرغنية ، ومثل الأبيات التي يُنَادى فيها النبي صلى الله عليه وسلم ليشفي المريض ويغيث المكروب ، كقول أحدهم :
أغثني يا رسول الله إني *****مريض الجسم ذو قلب سقي
وقوله أيضاً :
إليك رسول الله أشكو مصائباً **** يضبق لها صدر الحليم المصابر
وترديد أبيات البردة : 
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ***سواك عند حدوث الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم 
وقول أحمد بن الحاج السلمي المغربي : 
نور الهدى قد بدا في العرب والعجم *** سعد السعود علا في الحل والحرم
إلى أن قال :
بمولد المصطفى أصل الوجود ومن *** لولاه لم تخرج الأكوان من عدم
والأبيات التي يوصف فيها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الدنيا خلقت لأجله ، وأن الكون خلق من نوره ،وأن آدم عليه السلام توسل به ، ولولا النبي لم يخلق آدم ولا تعلم ولم تخلق الجنة ولا النار!! قال عبد الرحيم البرعي :
توسل للمولى بجاهه آدم ******* فتاب عليه جابراً للخواطر
ولولاه لم يخلق ولم يك عالماً *** بأسماء كل الكائنات الظواهر
ولم تسجد الأملاك بل لا ولم يكن*** له الله في الذكر الحكيم بذاكر
ولولاه لا نار ولم تك جنة *** وما الله للأكوان كلاً بفاطر .
وغير ذلك من أنواع الغلو الذي لا يرضاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد حذر أمته من رَفْعِهِ فوق منزلته ، وإعطائه خصائص الربوبية ، ونهى من قال له : (ما شاء الله وشئت ) فقال : (أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده) رواه البخاري في الأدب المفرد والإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وغيرهم.

الوقفة السابعة: إن مما يجهله كثيرون ممن يحتفلون بالمولد أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول (أمر مختلف فيه) وهناك أقوال عديدة في ذلك ، بل بعضهم رجّح أن ولادته كانت في اليوم التاسع من شهر ربيع . وأما المتفق عليه : فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، وعليه فإن الاحتفال بمظاهره الموجودة الآن والزينات والترانيم والمدائح وغيرها في هذا اليوم مما يقدح في محبة النبي صلى الله عليه وسلم !!
قال ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل (2/15): (ثم العجب العحيب كيف يعملون المولد للمغاني والفرح والسرور لأجل مولده - عليه الصلاة والسلام - كما تقدم في هذا الشهر الكريم وهو - عليه الصلاة والسلام - فيه انتقل إلى كرامة ربه - عز وجل - وفجعت الأمة فيه وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به) انتهى.
قلت : لم يقم صحابته لا بالاحتفال ولا بالحزن "ولو كان فيهما أو في أحدهما خيراً لسبقونا إليه".

الوقفة الثامنة: لا يخفى أن ساحات المولد تشتمل على كثير من المنكرات ، وذلك مما يوجب سخط رب الأرض والسموات ، والتي منها : الاختلاط بين الرجال والنساء والشباب والفتيات ، حتى أصبح هذا من العرف السائد المنتشر!! لا سيما في ليلة الثاني عشر في تلك الساحات ، فأي تلاعب بالدين أعظم من ذلك ؟! بل وصل الحال في بعض البلدان إلى شرب الخمور ورقص النساء !! ومن المنكرات : المجاهرة بهذا التفرق والتحزب وكثرة الطرق واختلاف الرايات والشعارات ، وكل هذا مما يخالف دين الله تعالى ، والواجب أن يكون المسلمون جماعة واحدة مجتمعة على الحق ، وطريقة واحدة ليست طرقاً ، قال الله تعالى :( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًاً) وقال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).ومن تلك المنكرات الإسراف في إنفاق المال وإضاعته وقد نهينا عن إضاعة المال ، وغير ذلك .

هذه الوقفات وغيرها مما يبين بجلاء ووضوحٍ أن هذا الاحتفال من البدع المحرمة التي يجب على الناس أن يبتعدوا عنها ، ويجتهدوا في الأعمال الصالحة التي ثبتت بأدلة الكتاب والسنة ، وليسعنا ما وسع الأوائل ، وليقم كل شخص بما يجب عليه من النصح الذي توجبه أخوة الإسلام وهو مقتضى محبة الخير للمسلمين لمن يقع في هذا الأمر ، والله الموفق وهو المستعان.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.