الحروب الصليبية

الخميس، 24 مارس 2011

"الأيام الأخيرة" .. كتاب يقرأ فنجان مصر! ويتنبأ بالسقوط..


أثناء ممارستي لهواية التطفل والتدخل والبحث عن أسباب سقوط حسني مبارك.. لم أجد الكثير من التحليلات المنطقية العميقة التي تقنع العقل المشاكس .. إلى أن وصلتني نسخة طازجة من كتاب يحمل عنوان "الأيام الأخيرة" وعلى غلافه صورة لوجه حسني مبارك يبدو مطعجاً مكفهراً، للكاتب المصري: عبدالحليم القنديل، وللوهلة الأولى قلت في نفسي: ماشاء الله على المصريين، لم يمضى على سقوطه سويعات حتى ألفوا كتاباً عن أيامه الأخيرة!
.. إلا أنني فؤجئت بإن الكتاب طبع سنة 2008! أي قبل الثورة بسنتين! وبتصفحه تبين لي بإن الكاتب يتنبأ بإقتراب إنهيار حكم حسني مبارك.. مهلاً، ألا يفترض أن يكون سقوط حسني مفاجأة لا يعلمها أحد.. ألا يفترض أن يكون خلعه من الحكم ردة فعل شعبية تأثراً بما جرى في تونس! لا لا تبدو المسئلة أعمق من ذلك بكثير.. فهلم نقرأ هذا الكتاب ونسطر أهم أسباب السقوط إرضاءً لشغفكم وشغفي... 

كنت أعتقد – قبل قراءة الكتاب -أن السبب الأساسي لسقوط/خلع مبارك يعود إلى التالي: 
- أنتشار أشباح الفقر والجوع في مصر، بعد مص ثرواتها وتحويل مسارات تدفق النقد إلى جيوب السلطان ومن والاه. 
- محاولة مبارك لتحويل مصر من إعتناق المذهب السياسي الأسلامي إلى المذهب السياسي المسيحي، وأعني بذلك أن حسني – ومن قبله السادات – كان يلقن الناس عقيدة "لا رئيس إلا حسني" لأكثر من خمسة عشر سنة، ثم طلب منهم تغيير عقيدتهم ليؤمنوا بمثلث ( الأب "حسني" – الأبن "جمال" –القدس "عمر سليمان")!
- القنوات العنكبوتية الجديدة والتي ساهمت في حفز الجماهير وتسخينهم وتركيز الهجمة على الريّس.
لكن بدا لي بعد "الآيات" أن أسجنن أفكاري إلى حين، وأن ألخص لكم الأسباب وفق ما وردت في الكتاب. وهنا أود أن اشير إلى أن الكاتب عبدالحليم قنديل، وهو طبيب مصري، ترك الطب من سنة 1985 وتفرغ للصحافة، أو بالأحرى تفرغ لمشاكسة الريّس، وهو من أهم أضلاع حركة كفاية المناهضة للتمديد والتوريث، وقد تعرض لمصاعب جمة على يد الأمن المصري، ومنها أنه أختفى لفترة طويلة، ثم وجدوه – بالصدفة – ملقى عرياناً في الصحراء! وللمزيد عن هذا الرجل، فإن أصدقائي في Google و Youtube لن يترددوا في مساعدتكم.. والغريب أن الكاتب في الفصول الأولى يسلم بإقتراب سقوط مبارك ويشرح البعد التاريخي لسبب السقوط، ويتكلم كأن مسئلة السقوط مفروغ منها! (مع العلم أنها لم تكن تخطر على بال الكثيرمن المحلليين العالميين!) ثم يناقش في الفصول التالية السيناريوهات القادمة: هل يحكم الأخوان؟ أم يحكم الجيش؟ أم جمال؟ أم يعود الحكم للشعب(يخرب بيت الكاتب على الثقة وإصابة الهدف).. وهو تحليل يستحق القراءة خصوصا في ظل الأحداث المتسارعة.. ولكن نعود إلى السؤال "لماذا سقط مبارك؟".. ونحاول أن نفكك أفكار الكاتب المتناثرة ونعيد تجميعها – مع إضافة بعض الأرقام والإحصائيات - على النحو التالي: 
1. السياسة الخارجية وأثرها على الداخل: 
القصة قديمة ،وموغلة في القدم، فهي تبدأ منذ 19/09/1977 وعلى أيام السادات، حيث كان حسني مبارك نائب رئيس الجمهورية(منذ عام 1975)، ففي ذلك اليوم قرر السادات أن يضرب بالمبادئ والمستشارين والشعب عرض الحائط ويذهب إلى إسرائيل لتوقيع معاهدة سلام مع تلك الدولة الناشئة الغير مستقرة، معاهدة مع العدو الأستراتيجي والتاريخي الأول للمصريين والعرب والمسلمين، بالرغم من تفوق مصر النسبي في الحرب والتفاف العرب من حولها إلا أنه قرر توقيعها. وقبل توقيع المعاهدة كان هناك حالة غليان في الشارع المصري بسبب قرارات زيادة أسعار والترحم على أيام عبدالناصر، فقرر السادات في لحظة جنون أن يتخلى عن قوته الشعبية الداخلية ويتكأ – بل يلقى نفسه- على القوة الأمريكية/الإسرائيلية، ووقع معاهدة كامب ديفيد الشهيرة، والتي بموجبها عادت سيناء أرضاً مصرية ولكنها مرهونة للإسرائيلين وتكاد تكون تحت إدارتهم، فلا يسمح له بنشر الجنود في سيناء إلى بموافقة إسرائيلية، ومنع أستخدام المطارات والموانئ العسكرية ووضع قوات أمريكية شرق سيناء والإعتراف الكامل بإسرائيل وإنشاء خطوط طيران وأتصالات وسكك حديد مع إسرائيل وأن تبيع مصر بترولها لإسرائيل ... وغيرها من شروط الهوان والذل التي تفرض على مصر! ومنذ تلك اللحظة تغيرت معادلة الحكم في ذهن السادات ومن بعده مبارك، فأصبح كلاهما يؤمن بإن حكمه وبقاؤه مرتبط بسجوده لأمريكا/إسرائيل، ولو كان ذلك على حساب الشعب والجبهة الداخلية. وقد أدى ذلك الأمر في بدايته إلى مقاطعة الدول العربية لمصر وبالتالي فقدان مصر لدورها الريادي، كما أن السادات أستضاف الرئيس نيكسون ووزير الخارجية الأمريكية الشهير "كيسنجر" عدة مرات في حياته ووقع مجموعة من معاهدات الإستثمار الأجنبي (أو معاهدات التغلغل الأقتصادي الأمريكي في مصر)، ثم أن حسني مبارك ابدى المزيد من التعاون/الخنوع مع إسرائيل/أمريكا، إلى درجة بيع البلاد بالكامل مقابل كرسي الملك،،فهو لم يكتف ببيع 14 مليون برميل سنويا لأسرائيل ولا بيع الغاز بدولار واحد إلى إسرائيل (وسعره 15 دولار) بل أمتد الأمر إلى أتفاقيات النسيج،كما أن الريّس صرح بإنه لن يوقع أتفاقية منع أنتشار السلاح النووي إلا إذا وقعت أسرائيل، إلا أنه وبقدرة قادر أو في لحظة سهو وقع على الأتفاقية التي لم ولن توقع عليها إسرائيل التي تمتلك أكثر من 300 رأس نووي كفيلة بتدمير كافة قارات العالم!
وسعى إلى تفتيت الأقتصاد – كما سنشرح لاحقاً – ظنا منه أن الغطاء الأمريكي/ الأسرائيلي كان كافيا لتثبيت أركان كرسيه. لذا لا نستغرب حينما نقرأ في وثائق ويكليكس أن الموساد يصف مصر بقوله: "لدينا عميل واحد في مصر يحمينا من 80 مليون عدو!" إن الرئيس الذي يعتقد أن توطيد أركان الحكم لا تأتي من الرضاء الشعبي بل من الأعمام الأجانب أيامه قصيرة. 

2. الجحيم الأقتصادي:
ما رأيكم أن نترك المجال لبعض الأرقام لتتكلم، فهي أفصح في هذا المقام: 
· البطالة في عهد السادات كانت 3% من الشعب، وفي عهد زوج سوزان بلغت 30%!
· معدلات التنمية السنوية في عهد جمال عبدالناصر = 6,7%، بينما في عهد السادات =4%، و في عهد عاشق سوزان من 1981 حتى 1992 =1.8% ثم هبطت إلى أقل من القاع، ثم ارتفعت في 2005، إلا ان عامل النمو المعيشي Thriving قد أنخفض من 29% إلى 11% في منتصف 2010 (كذلك نجده قد أنخفض في تونس إلى 14%)، وهذا العامل يساوي في الكويت (مثلاً) 49%! 
· كانت الديون الدولة على عهد جمال عبدالناصر 2 مليار جنيه، بينما وصلت الديون في عهد الرئيس مبارك إلى 700 مليار جنيه!
· المتوسط العام للأجور 300 جنيه مصري، أي أقل من خط الفقر الذي حدده البنك الدولي!
· أطفال الشوارع = 3 مليون طفل!
· 13 مليون شاب تخطوا سن الزواج دون زواج!
· 45,9% من سكان القاهرة يقيمون في المقابر والعشش والعشوائيات!
· مصر هي الأولى في العالم – وبكل جدارة- في مرض الألتهاب الكبدي الوبائي! ويصل عددهم إلى 13 مليون مصاب ويشكلون 30% من مرضى العالم!
· في الستينيات كانت عوائد العمل تساوى عوائد التملك تقريباً، ففي عام 1977 كان معاش الموظف يصل إلى 17 جنيه و يكفيه لـ 35 كيلو لحمة، وبعد ثلاثين سنة يزيد راتب الموظف ليصل إلى 560 جنيه ولكنه لا يكفيه لشراء 18 كيلو لحمه! أي أن المعاشات وإن زادت فقدرتها الشرائية تناقصت بأضعاف مضاعفة. وبحساب القوة الشرائية فإن راتب الموظف – بعد ثلاثين سنة – يكون قد تناقص إلى النصف! 
· 2% من المصريين يحصلون على 40% من إجمالي الدخل! 
· حجم الأموال المهربة من مصر 200 مليار دولار سنويًا.
· في 2003 قامت لجنة السياسات (التي يرأسها جمال مبارك، والتي تتدخل في كل شيئ) بتخفيض قيمة الجنيه المصري إلى النصف تقريباً، بحسب توصية القوى العظمى والبنوك.. وهو ما قضى على قوة الأقتصاد المصري نهائياً، إذا أن الأستيراد أصبح مكلفاً إن لم يكن مستحيلاً..وأصبح بإمكان ملوك العملات الصعبة شراء البلد بنصف سعرها. 
أعتقد أن تلك الأحصائيات/الخناجر كانت كافية لتوضيح حجم المأساة التي يعيشها المصريون اليوم، وسنكتفي بالبكاء على أطلال نسب البطالة دون غيرها من الأمور الأخرى، حيث أن الفرص الوظيفية أمام المصري يجب أن تكون أحدى ثلاث: 
i. الوظيفة الحكومية: هناك تشبع منذ أكثر منذ عشرات السنين، والراتب المقدم وإن وجد لا يكاد يكفي لإيجار السكن...
ii. القطاع العام (الشركات المملوكة للحكومة أو التي تقدم خدمات عامة كالبترول والمواصلات): شرعت جماعة الريّس بخصخصة مصانع الدولة بأسعار زهيدة وبيعها على الموالين للنظام، مما نتج عنه موجات تسيح لملايين العاملين، وإيقاف عدد كبير من هذه المشاريع وتحويلها إلى مشاريع عقارية لا يكاد يعمل فيها أحد، لذا فقد أختفى القطاع العام تحت كعوب الخصخصة وتنفيع كبار المسئولين. وقد قامت لجنة السياسات برفع شعارات الأقتصاد الحر لنهب البلاد وتجريف ثرواتها. 
iii. القطاع الخاص: وهو ذو شروط معقدة في مواجهة التاجر المحلي، لذا عليه أن يتقاسم مع جماعة الرئيس تجارته وإلا تم أقفالها، أما التاجر الأجنبي، فهو ملزم قانوناً بالبحث عن شريك محلي، ولن يجد أفضل من دولة الرئيس أو أشباله الصغار!
iv. الهجرة: وهي الحل الأمثل للمصرين، وقد بلغ قيمة المبالغ المحولة شهرياً من المهاجرين أكثر من 120 مليار دولار سنوياً، إلا أن الهجرة – هي الأخرى – قد أصيبت في مقتل نتيجة لموقف مصر من العدوان الأمريكي على العراق، حيث أن العراق يضم أكبر نسبة مهاجرين مصريين (8 ملايين مهاجر مصري). فقد عادوا إلى مصر مرة أخرى ليشكلوا عبئاً على أزمة البطالة!
لذا لم يعد للمصري خيار غير الثورة .. أو إنتظار ما يحدث بموت الرئيس!

3. الإنسداد السياسي:
يفترض في الشعب أن يفرغ سخطه السياسي عبر قنوات عدة: البرلمانات، الصحف، المظاهرات والأعتصامات، أختيار المرشحين والأحزاب المعارضة، الندوات، النقابات المهنية، الأعلام والتلفزيون.. والأتجاه المعاكس J، لكن الريّس بذكاءه قرر أن ينهي ذلك كله. ولن أوغل في الشرح كثيراً، لكن سأعطي مثالاً لتعامل الريّس الذكي مع "الأحزاب الجديدة"، حيث أن بعض الأحزاب لا تستحي ولا تختشي، فهي لا تكف عن مناكشة الريّس وازعاجه بطنينها، فقرر إعادة تنظيم الأحزاب من خلال إختراع عظيم يسمى "لجنة الأحزاب"، ففي ظل هذا الأختراع أنت لا تحتاج أن تبلغ الدولة بقرار أنشاء حزب، بل أن تحتاج إلى موافقة الدولة على حزبك، والدولة يديرها "الحزب الوطني الحاكم"/حسني مبارك! لذا لكي تنشأ حزباً يجب أن تلتمس من سيادة الرئيس أن يوافق حزبه على حزبك! وما الذي تتوقعه في حال كان حزبك معارضاً! وعلى فكرة يتم تشكيل أعضاء لجنة الأحزاب بقرار جمهوري من سيادة الرئيس نفسه! وقد أختار الريس لأدارة هذه اللجنة رئيس جهاز المخابرات السابق! إذا لا تستغربوا أن لاينشأ حزب جديد في هذه البلد!كما أن لجنة الأحزاب لها الحق في إيقاف نشاط أي حزب تفوح من روائح كريه أو يتصاعد طنينه، وقد قام كل من السيد مبارك والسيد السادات بإصدار حزمة قوانين تفت من عضد الأحزاب وتحولهم إلى دمى فاعله في مسرح العرائس، وهي بحق قوانين مبتكرة من صنف "سلامة الجبهة الداخلية" و "قوانين العيب والأخلاق" .. لذا يجب على الحزب المعارض أن لا يخرج على النص وإلا ..، فقد سبق أن قام السادات بحل المجلس لأنه 15 نائباً عارضوا معاهدة السلام الأسرائيلية، كما أن أحد النواب حاول أن يتذاكى بإقتراح لتحديد سن مرشح الرئاسة (وهو سن يعلو على سن جمال ويقل عن سن حسني!).. وقس على ذلك 
4. زيادة رجال الأمن وتسلطهم الشديد:
نظراً لأن حسني فقد شعبيته وجماهيريته، فكان لا بد من ترويض الشعب برجال الأمن، لذا تحول رجل الأمن إلى سيد بدلا من أن يكون خادماً،فمنذ بداية ولايته بدأ في تطنيش الجيش وتكثيف ما يسمى بقوات الأمن المركزي والمخابرات حتى وصل عددهم إلى مليون و 700 ألف مقسمين على النحو التالي: 
· 850,000 ضابط وشرطي. 
· 450,000 قوات الأمن المركزي. 
· 400,000 مخبر سري!
ويكفي أن نعرف أن في عهد حسني صدر مئة ألف أمر أعتقال (يضاف إليهم: وآخرون لا تعلمونهم الله يعلمهم!)، وحينما لم ينجح الأمر في السيطرة على جهاز القضاء، قرر تنصيب المحاكم العسكرية والتي كانت موجهة خصوصاً إلى الأخوان المسلمين. وكانت نتيجة هذا المسلسل تهميش دور الجيش وتقوية دور جهاز المخابرات الذي كان يعلم كل صغيرة وكبيرة في البلد. 

5. التوريث: 
سامحك الله يا سوزان! فلم يكن ينقصه أكثر مما هو فيه من مصائب، حتى ظللت تلحين عليه بالتوريث، فكانت هي النملة التي دخلت في أذن الفيل فمات! .. إذا كان الشعب قد وصل إلى حالة الغليان وينتظر موت الرئيس بأي شكل من الأشكال، فما هي ردت فعله حينما تطل عليهم السيدة الأولى وتخبرهم بإن حسني قد يموت .. ولكن لا تخافوا فحبيبي جيمي سيعتني بكم! وقد شرح الكاتب الكثير من الأبعاد التي تخص مسلسل التوريث السمج وأثره على الشعب ولن أفصل فيه أنا أكثر ... 
هذه وجبة سريعة تتضمن أهم ما دار في الكتاب من أفكار بعد تفكيكها وإعادة تجميعها، آمل أن تكونوا أستفدتم وإلى لقاء مع سقوط رئيس جديد.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.