لجينيات ـ دأبت بعض وسائل الإعلام على نشر أخبار متعلقة بوجود التشيع في فلسطين أو تأثر بعض الفلسطينيين بالمذهب الشيعي، وسرعان ما تلقى هذه الأخبار بعض الكُتاب والصحفيين وبعض الدعاة وغيرهم بالقبول، دون تمحيص أو تثبت.
ولذا وجب إيضاح الحقيقة وبيانها سواءً أكان منطلق تلك الوسائل والكتاب هي: الغيرة والحرص، وخشيتهم على فلسطين وأهلها، وعلى المشروع الجهادي القائم فيها، أو التثبيط والفتنة والخذلان، أو الجهل بواقع الشعب الفلسطيني.
الوعي الديني لدى الشعب الفلسطيني:
الشعب الفلسطيني شعب مثقف وواعي لما يدور حوله من أحداث أو مؤامرات، كما يوجد من أبناءه الكثير من العلماء والدعاة وطلبة العلم، لاسيما مع وجود الجامعات كالجامعة الإسلامية في غزة والتي يدرس فيها "شرح العقيدة الطحاوية"، والكليات الشرعية المتنوعة، مما كان له الأثر الإيجابي في إدراك الناس لطبيعة العلاقة مع إيران أو غيرها من الدول.
ويكفي أن نعلم أن من بين قادة حركة المقاومة الإسلامية حملة الشهادات العليا في الدراسات الشرعية ومن بينهم د.نزار ريان – رحمه الله، وكذلك وزير الأوقاف الحالي أ.د. صالح الرقب، أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة، وهو خريج الجامعات السعودية وصاحب كتاب: الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة، الذي تمت طباعة آلاف النسخ منه في قطاع غزة وتدريسها في المساجد والحلقات.
ونظراً لأهمية توعية الناس بمكانة الصحابة رضوان الله عليهم ومنزلتهم فقد أنشئت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة جمعية: أهل السنـة أنصـار آل البيت والأصحاب، وضمت في عضويتها عدداً من العلماء والدعاة، ونظمت العديد من المناشط في المساجد والمخيمات الصيفية وغيرها.
كما دعمت الحركة وبشكل كبير رابطة علماء فلسطين والتي تضطلع بدور كبير في توعية الناس في غزة و الضفة، وكذلك هيئة علماء فلسطين في الخارج والتي تضم علماء من مختلف التخصصات الشرعية وعدد كبير منهم من خريجي الجامعات السعودية.
التفريق بين التعاطف و الإتباع:
الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب تمسكاً بسنيته، ولذا لا يذكر تشيع أحد من الفلسطينيين في لبنان مثلاً أو في سوريا أو في العراق أو غيرها من الأماكن التي استهدفها الشيعة، وغاية ما يكون هو التعاطف الكبير مع التصريحات التي تؤيد المقاومة وتدافع عنها أو تهاجم الاحتلال، وهذا التعاطف الكبير يناله أمثال نصر الله أو الرئيس الفنزويلي شافيز أو النائب البريطاني جورج غالاوي أو المتضامنين القادمين على سفن كسر الحصار، وكل شخص يناصر القضية الفلسطينية ولا صلة لهذا بعقيدة المناصر، قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
إن فقه الحال والواقع يقتضي الآن تعامل إخواننا في حماس مع كل من يناصرهم، طالما أنهم مضطرون لذلك، ولا يوجد البديل، وهذا التعامل لا يتعدى جوانب محددة سواء من الناحية المادية أو الناحية العسكرية، دون وجود اشتراطات أو حتى مطالب لبناء حوزات أو جمعيات كما تدعي بعض وسائل الإعلام كذباً وبهتاناً وزوراً، بل إن الحكومة الفلسطينية في غزة أغلقت إحدى الجمعيات لما تبين لها أن بعض أفرادها حاولوا بث الدعاية للمذهب الشيعي، بل إن عوام الناس رفضوا تماماً استمرار عمل الجمعية.
ومن المعلوم أن حادثة إعدام الرئيس العراقي صدام حسين كان لها الأثر البالغ في تنبيه المسلمين في كل مكان، وفي فلسطين بشكل خاص إلى دور الشيعة، وذلك لما يحظى به صدام من محبة لدى الفلسطينيين لضربه بعض الصواريخ على الكيان الصهيوني أثناء حرب الخليج، بالرغم من رفض حركة المقاومة الإسلامية – حماس، والشعب الفلسطيني لمسألة احتلال الكويت في بيان الحركة المشهور والمعروف والصادر في حينه.
لقد قدر الله أن ينصر هذا الدين بالرجل الكافر أو الفاجر، ففي الصحيح: "إن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر"، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام :"إن الله ينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم".
إن قادة الحركة وأفرادها والشعب الفلسطيني متمسكون بسنتيهم، وهم من أشد الناس ثباتاً على المبادئ، بل إن الحكومة الفلسطينية رفضت عرضاً إيرانياً بإنشاء مستشفى بتمويل إيراني في قطاع غزة لمجرد أن إيران طلبت وجود مشرف إيراني على عملية الإنشاء والإدارة، ثم عاودت الطلب بأن يكون بدون إشراف ولكن باسم: "مستشفى الإمام الخميني"، ومع هذا رفضت الحكومة هذا الطلب بالرغم من الحاجة وشدة الحصار والخذلان والمخالفة.
حركة المقاومة الإسلامية "حماس" حركة إسلامية جهادية سنية سلفية، انطلقت من المساجد ومن داخل الشعب الفلسطيني، ولم تكن صناعة أنظمة عربية ولا غير عربية، ولذا فقد حققت ما لم تحققه كل التنظيمات التي سبقتها، ولم تنقل حماس صراعها إلى خارج فلسطين كما فعل غيرها، بل لم تنقل صراعها ضد أحد سوى اليهود المحتلين والمغتصبين لفلسطين، ولم يكن هذا الأمر تكتيكاً سياسياً بل هو موقف ثابت لدى الحركة منذ نشأتها وتأسيسها كما يعلم الجميع.
وتعاملت حماس مع جميع الأنظمة العربية وغير العربية بشكل متوازن، وفيما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني ووفقاً لثوابت قضيته الشرعية، ورفضت وترفض رفضاً شديداً وتحت أي ظرف من الظروف التنازل لأي نظام عن ثوابت القضية الشرعية والعادلة، وليس أدل على هذا من رفضها طوال تاريخها العروض المحلية والدولية بعدم استهداف قادتها مقابل تقديم بعض التنازلات، فرفضت إعطاء الدنية من دينها فقدمت دماء مؤسسها وقادتها رخيصة في سبيل الله .
الذين يتهمون حماس بالتشيع أو موالاتها للشيعة لمجرد أن بعض قادتها زاروا إيران، فلعلهم يتهمونها غدا بالشيوعية لكون بعض رموزها زاروا روسيا وطلبوا دعمها، أو بموالاة شافيز أو غيره من الأحرار في العالم ممن ناصروهم لعدالة قضيتهم.
إن الأولى بنا ألا نتهم حماس ونغلق الأبواب في وجهها، بل أن نسعى جاهدين ليتحرك "قادة السنة" ويأخذوا زمام المبادرة ويقدموا الدعم لحماس ويوفروا البدائل المناسبة لها – ولو سراً – إذ كانت ظروفهم لا تسمح لهم بالدعم العلني، أما أن يمنع قادة العرب دعمها ونصرتها ونطالبها نحن الشعوب ألا تأخذ السلاح من غيرنا، فهي دعوة للانتحار وقتل النفس والإلقاء بها إلى التهلكة بترك الجهاد والتخلي عن السلاح الرادع للعدو.
ولو أن أهل السنة فتحوا الباب وذهبت حماس لغيرهم لصح اللوم، فكيف وهي قد طلبت العون ولم تُجب كما سمعنا ذلك من قادتها، ألم يرفض إسماعيل هنية مجرد متابعة الشيعة في صلاتهم، ونقلت لنا وسائل الإعلام ذلك المشهد، وما كل ما يعلم يقال، وليس من مصلحة حماس أو الحكمة استعداء الآخرين.
إن أبجديات عقيدتنا ومفهوم الولاء والبراء لا يقتضي عدم التعامل المطلق مع غير المسلمين من أهل الكتاب والمشركين فضلاً عن التعامل مع من ينتسب للإسلام، وها نحن عبر في الواقع المعاصر التحالفات المختلفة والمتناقضة، ونتفهم ما يجري لضعف أو حاجة أو غيرها، فما بالنا نمارس التطفيف مع إخواننا!
الحكم الشرعي للتعامل مع المبتدعة:
ألم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم دخول خُزاعة الحلف معه في صلح الحديبية بالرغم أنها لم تكن على الإسلام، لما في ذلك من مصلحة تفريق جبهة الأعداء وإضعافها أو حتى التقليل منها. جاء في شرح السير الكبير (4/1422-1423): " ولا بأس بأن يستعين المسلمون بأهل الشرك على أهل الشرك، إذا كان حُكم الإسلام هو الظاهر عليهم... وإلى ذلك أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إن الله تعالى ليُؤيدُ هذا الدين بأقوام لا خَلاق لهم في الآخرة" والحديث أخرجه البخاري ومسلم.
ألم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في جوار المُطعم بن عدي، وهو مشرك، وعلم أمته كيف ترد الجميل حين قال في أسارى بدر: "لو كان المطعم بن عدي حيا، ثم كلمني في هؤلاء النتنى، لتركتهم له" أخرجه البخاري.
إن فعل رسولنا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام يكفينا، والأدلة في جواز الاستعانة بالكفار والمشركين عند الحاجة معلومة مشهورة.
ونختم هذا الحديث بكلام ابن تيمية – رحمه الله – عندما سئل عن رجل يفضل اليهود والنصارى على الرافضة فأجاب: "الحمد لله كل من كان مؤمناً بما جاء به محمد فهو خير من كل من كفر به، وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة سواءً كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم؛ فإن اليهود والنصارى كفارٌ كفراً معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام، والمبتدع إذا كان يحسب أنه موافق للرسول لا مخالف له لم يكن كافراً به، ولو قدر أنه يكفر فليس كفره مثل كفر من كذب الرسول"(1)، وقد قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ..} سورة المائدة، من الآية: 82، وهذه الآية نص في "أن اليهود في غاية العدواة مع المسلمين، ولذلك جعلهم قرناء للمشركين في شدة العدواة، بل نبه على أنهم أشد في العدواة من المشركين من جهة أنه قدم ذكرهم على ذكر المشركين"(2).
فلا يلام إخواننا في فلسطين عندما يستفيدون من الشيعة أو غيرهم طالما أن هذه الاستفادة والاستعانة لا تؤدي للدعوة إلى بدعتهم أو إظهارها، وهي مرتبطة بالضرورة والحاجة.
عبدالله العابد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.