الحروب الصليبية

الاثنين، 13 يونيو 2011

كلمتنا في " علي عبد الرازق والمفتونين به قبل أن يحشروا معه


 هذا  هو حكم هيئة كبار العلماء في كتاب" الإسلام وأصول الحكم " وصاحبه   

و هذا  هو حكم مجلس تأديب القضاة الشرعيين في وزارة الحقانية الذي صدر بفصل مؤلفه بناءً على هذا الحكم  من القضاء الشرعي اعتبارا من يوم 22 المحرم 1344هـ 12أغسطس 1925م ، نسوقه مُوَقَّعاً ممهورا من رئيس المجلس الذي كان" علي ماهر باشا " آنئذ ، نسوقه  إلى هؤلاء الفاتنين ثم إلى إخوانهم المفتونين الذين(  يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون)  ، هؤلاء وألئك  الذين  ما فتؤا يُحَرِّفون  الكلم عن مواضعه
،ويريدون أن يعيدوها  في الأمة جزعة فتية بعد أن أهلك الله أصحابها ، يريدون إعادتها ( استكبارا في الأرض ومكر السيء)فاطر 43 ، على إرادة سوء فيهم  أن يؤلبوا على الدين من أبنائه السافل الوغدا ؛ على ما حققه  شاعر الإسلام الشيخ " محمد الصادق عرنوس  فيهم بقوله:

               لقد فتحوا الثغراتِ في كل موضع            حصين وكان البعض منا لهم جند 

              ولم يتحرج أن يبيع ضميره                     بشيء من الدنيا فيغدو لهم عبدا

     همُ خدعوا المستضعفين وألَّبوا                      على الدين من أبنائه السافلَ الوغدا

  ولكن من باب الإعذار ثم الإمهال نسوق تلك الوثيقة الصادرة عن هيئة كبار العلماء في الثاني والعشرين من المحرم عام 1344هـ الموافق 12 من أغسطس 1925م ونحن مستحضرون قول الله جل جلاله ( وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم  إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) النمل 81.  وذلك هو نص القرار ومنطوقه ليهلك بعد ذلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة .  

قال الله تعالى ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءَهم وأحذرهم أن يَفتنوك عن بعض ما أنزل َ الله إليك  فإن  تولّوا فاعلم أنَّما يريد الله أن يُضيبهم ببعض ذنوبهم  وإنّ كثيراً من الناس لفاسقون "                       سورة المائدة : 52.

بـــــــــــســــــــــم الله الــــــرحــــــــمـــــــن الــــــــــــــرحــــــيــــــــــــــم

الحمدلله رب العالمين * وصىلى الله على علم الهدي ، ومرشد الورى : سيدنا محمد الداعي

إلى مافيه سعادة الدنيا ، والفوز في الآخرى * وسلم تسليماً كثيراً .

وبعد  ،  فقد صدر في مصر كتاب عنوانه " الإسلام وأصول الحكم فيه " للشيخ علي  عبد الرازق" خرج فيه على الأصول التي سُمّيَ بها عالماً شرعياً ، وكان بها أهلا للفتيا والقضاء ، ولما تحقق ذلك لهيئة كبار العلماء في الجامع الأزهر الشريف ناقشته؛ وحكمت بالإجماع يوم 22 المحرم سنة 1344هـ بإخراجه من زمرة العلماء ، ووضعت في ذلك المذكرة التالية [المرفقة]:

وفي يوم 29 صفر سنة 1344 هـ انعقد مجلس تأديب القضاة الشرعيين بوزارة الحقانية ووضع قراراً يقضي بفصل مؤلف هذا الكتاب من القضاء الشرعي



الـــــــــمـــــــــــــذكـــــــــــــــــــــــــــرة

هيئة كبار العلماء المجتمعة بصفة تأديبية بمقتضى المادة الأولى بعد المائة من قانون الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الإسلامية رقم 10لسنة1911م في دار الإدارة العامة للمعاهد العامة للمعاهد الدينية يوم الأربعاء  22المحرم سنة 1344هـ . 12أغسطس1925م   برياسة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ "محمد أبي الفضل" شيخ الجامع الأزهر ، وحضور أربعة وعشرين من هيئة كبار العلماء وهم حضرات أصحاب الفضيلة الأساتذة :

الشيخ محمد حسنين، والشيخ دسوقي العربي، والشيخ أحمد نصر، والشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ محمد شاكر ،والشيخ محمد أحمد الطوخي، والشيخ ابراهيم الحديدي، والشيخ محمد النجدي، والشيخ عبد المعطي الشرشيمي،  والشيخ يونس موسى العطافي، والشيخ عبد الرحمن قراعة، والشيخ عبد الغني محمود ، والشيخ محمد ابراهيم السمالوطي، والشيخ يوسف نصر الدجوى، والشيخ ابراهيم بصيلة، والشيخ يوسف شلبي الشبرابخومي، والشيخ محمد سبيع الذهبي، والشيخ محمد حموده، والشيخ أحمد الدلبشاني، والشيخ حسين والي والشيخ محمد الحلبي ،والشيخ سيد علي المرصفي .

[ وقد ] نظرت في التهم الموجه إلى الشيخ "علي عبد الرازق" أحد علماء الجامع الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية التي تتضمنها كتابه " الإسلام وأصول الحكم " وأعلنت له يوم الأربعاء 8المحرم سنة 1344هـ  ( 29يوليو 1925م) ، وقد قام بعمل السكرتارية بهذه الهيئة "محمد قدري أفندي" رئيس أقلام السكرتارية العامة لمجلس الأزهر الأعلى وللمعاهد الدينية .

الــــــــــــوقــــــــــــــــــــائــــــــــــــــــــع

نشر بإسم الشيخ "علي عبد الرازق"  أحد علماء الجامع الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية الكتاب المسمى " الإسلام وأصول الحكم " فقُدِّمت إلى مشيخة الجامع الأزهر عرائض وقَّع عليها جمٌّ غفير من العلماء في تواريخ 23 ذي القعدة ،وأول ، وثامن ذي الحجة سنة 1343هـ ( 15 و 23 ،30 يونيه سنة1925م) وقد تضمنت – العرائض-  أن الكتاب المذكور يحوي أموراً مخالفة للدين، ولنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الأمة . منها :

1- جعل الشريعة الإسلامية شريعة روحية محضة ؛لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا .

2- وإن الدين لا يمنع من أن جهاد النبي صلى الله عليه وسلم كان في سبيل الملك ، لا في سبيل الدين،  ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين .

3-وإن نظام الحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان موضوع غموض إبهام ؛أو اضطراب ؛أو نقص؛ وموجباً للحيرة .

4- وإن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بلاغاً للشريعة مجرداً عن الحكم والتنفيذ .

5- وانكار إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام ، وعلى أنه لابد للأمة ممن يقوم بأمرها في الدين والدنيا .

6- وانكار أن القضاء وظيفة شرعية .

7- وأن حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم كانت لا دينية .

وقرر حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ "محمد أبي الفضيل " شيخ الجامع الأزهر بناء على ذلك إجماع هيئة كبار العلماء بصفة تأديبية في يوم الأربعاء 15 المحرم سنة1344هـ  5 أغسطس سنة 1925م الساعة العاشرة صباحاً في دار الإدارة العامة للمعاهد الدينية وأعلن ذلك للشيخ "علي عبد الرازق" في يوم الأربعاء 8المحرم سنة1344هـ  29يوليه سنة1925م ، وكُلِّف الحضورَ أمام الهيئة المذكورة في التاريخ والمكان المذكورين .

وفي التاريخ المذكور اجتمعت الهيئة برياسة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ "محمد أبي الفضل "شيخ الجامع الأزهر وحضور ثلاثة وعشرين عالماً من هيئة كبار العلماء " وهم المذكور أسماؤهم أولاً عدا فضيلة الأستاذ الشيخ "دسوقي العربي " ؛ ولم يحضر الشيخ "علي عبد الرازق"  وإنما أرسل خطاباً مؤرخاً في 14 المحرم سنة 1344هـ يطلب فيه اعطاءه فرصة طويلة تكفي لإعداد ما يلزم للمناقشة ، وقد عُرِض الخطابُ على الهيئة في هذا الجلسة ، فقررت تأجيل النظر في الموضوع إلى يوم الأربعاء 23المحرم سنة 1344هـ  12 أغسطس سنة 1925م الساعة العاشرة صباحاً في دار الإدارة العامة للمعاهد الدينية، وأعلن ذلك للشيخ "علي عبد الرازق" في يوم الأربعاء 15المحرم سنة1344هـ  5أغسطس1925م.

وفي التاريخ المذكور اجتمعت الهيئة برئاسة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ "محمد أبي الفضل" شيخ الجامع الأزهر وحضور أربعة وعشرين عالماً من هيئة كبار العلماء - وهم المذكور أسماؤهم أولا- وقد حضر الشيخ "علي عبد الرازق"  أمام هذه الهيئة، وسُئل عن كتابه " الإسلام وأصول الحكم " المشار إليه؛ فاعترف بصدوره منه؛ ثم تُليت عليه التهم الموجهة إليه ومآخذها من كتابه . وقبل إجابته عنها وجه دفعاً فرعياً وهو أنه لا يعتبر نفسه أمام هيئة تأديبية، وطلب ألا تعتبر الهيئة حضوره أمامها اعترافا منه بأن لها حقاً قانونيا.

فبعد المداولة القانونية في هذا الدفع قررت الهيئة رفضه اعتمادا على أنها تُنَفِّذُ حقاً خوَّلها إياه القانون، وهي المادة الأولى بعد المائة من قانون الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الإسلامية رقم 10 سنة 1911 م .

ثم دُعِى الشيخ "علي عبد الرازق" أمام هذه الهيئة، فأعلن له حضرة صاحب الفضيلة الاستاذ الأكبر الرئيس رفض دفعه طبقاً للمادة المذكورة . فطلب الشيخ علي عبد الرازق أن تسمع له الهيئة مذكرة أعدها بدفاع عن التهم الموجهة إليه . فأذن له حضرة صاجب الفضيلة : الاستاذ الأكبر الرئيس أن يتلوها ؛فتلاها . وبعد الفراغ من تلاوتها وتوقيعه على كل ورقة منها أُخِذت منه وحفظت في اضمامة الجلسة ثم انصرف .

هيئة كبار العلماء

بعد الإطلاع على كتاب " الاسلام وأصول الحكم " المطبوع في مطبعة مصر الطبعة الأولى سنة 1343هـ الموافق سنة 1925م السابق الذكر ، والعلم بما تضمنته من الأمور المخالفة للدين ،ولنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الأمة ، وسماع ما جاء في مذكرة دفاع الشيخ "علي عبد الرازق"  عن التهم الموجهة إليه ، وبعد الإطلاع على المادة الأولى بعد المائة من قانون الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الإسلامية رقم 10سنة1911م،وعلى المادة الرابعة من هذا القانون ، وبعد المداولة القانونية :

-1-

 من حيث إن الشيخ علياً جعل الشريعة الإسلامية شريعة روحية محضة لا علاقة بها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا ، فقد قال في ص78و79 " والدنيا من أولها لآخرها وجميع مافيها من أغراض وغايات أهون عند الله من أن يقيم على تدبيرها غير ماركب فينا من عقول وحبانا من عواطف وشهوات ،وعلَّمنا من أسماء ومسميات ، هي أهون عند الله تعالى من أن يبعث لها رسولاً،  وأهون عند رسل الله تعالى من أن يشغلوا بها وينصبوا لتدبيرها "

وقال في ص85 " إن كل ماجاء به الإسلام من عقائد ومعاملات وآداب وعقوبات فإنما هو شرع ديني خالص لله تعالى ولمصلحة البشر الدينية لا غير . وسيان بعد ذلك أن تتضح لنا تلك المصالح الدينية أم تخفى علينا ، وسيان أن يكون منها للبشر مصلحة مدنية أم لا ، فلذلك مالا ينظر الشرع السماوي إليه ولا ينظر إليه الرسول " الدين الإسلامي بإجامع المسلمين ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عقائد وعبادات ومعاملات لإصلاح أمور الدنيا والآخرة . وإن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كلاهما مشتمل على أحكام كثيرة في أمور الدنيا وأحكام كثيرة في أمور الآخرة .

والشيخ علي في ص78 و 79 يزعم أن أمور الدنيا قد تركها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تتحكم فيه عواطف الناس وشهواتهم، وفي ص 85 زعم أن ماجاء به الإسلام إنما هو للمصلحة الأخروية لا غير، وأما المصلحة الدنيوية فذلك مما لا ينظر إليه الرسول – صلى الله عليه وسلم- .

وواضح من كلامه أن الشريعة الإسلامية عنده شريعة روحية محضة، جاءت لتنظيم العلاقة بين الانسان وربه فقط ، أما ما بين الانسان –والإنسان-  من المعاملات الدنيوية وتدبير الشئون العامة فلا شأن للشريعة به وليس من مقاصدها .

وهل في استطاعة الشيخ علي أن يشطر الدين الإسلامي شطرين ويلغي منه شطر الأحكام المتعلقة بأمور الدنيا، ويضرب بآيات الكتاب العزيز وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عُرض الحائط؟ !

*  *  *

وقد قال الشيخ "علي"  في دفاعه إنه لم يقل ذلك مطلقاً لا في الكتاب ولا في غيره ولا قال قولاً يشبهه أو يدانيه ...

وقد علمتَ ان ذلك واضح من كلامه الذي نقلناه لك . وقد ذكر مثله في مذكرة دفاعه .

وقال في دفاعه أيضا " إن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء بقواعد وآداب وشرائع عامة ،وكان فيها مايمس - إلى حد كبير - أكثر مظاهر الحياة في الأمم، فكان فيها بعض أنظمة  للعقوبات، وللجيش ،والجهاد،  وللبيع ،والمداينة، والرهن، ولآداب الجلوس، والمشي، والحديث إلخ ص84".

غير أنه قال عقب ذلك ص84 أيضا " ولكنك إذا تأملت وجدت أن كل ماشرعه الإسلام وأخذ به النبي المسلمين من أنظمة وقواعد وآداب لم يكن في شيء كثير ولا قليل من أساليب الحكم .... إلى آخره "  فآخر كلامه في الصفحة المذكورة يهدم دفاعه ولا ينفعه ركونه إلى حديث " لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما متع الكافر منها بشربة ماء"  وحديث " أنتم  أعلم بأمور دنياكم " ،لأن الحديث الأول ضعيف لا يصلح حجة . وهو على فرض صحته وارد في معرض التزهيد في الدنيا وعدم الإفراط في طلبها ، وليس معناه كما يزعم الشيخ "علي" أن يُتْرَك الناسُ فوضى تتحكم فيهم العواطف، والشهوات، ليس لهم حدود يقفون عندها، ولا معالم ينتهون إليها .

ولولم يكن معناه كما ذكرنا لهدم آيات الأحكام المتعلقة لأمور الدنيا، وصادم آيات كثيرة، كقوله تعالى : " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا " ،وقوله تعالى " قل من حرِّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة "  وقوله تعالى " ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولاتعتدوا " .

ولأن الحديث الثاني وارد في تأبير النخل وتلقيحه ؛ويجري فيما يشبه ذلك من شؤون الزراعة وغيرها من الأمور التي لم تجيء الشريعة بتعليمها ؛وإنما تجيء لبيان أحكامها من حِلٍّ وحرمة، وصحة وفساد، ونحو ذلك . يعلم ذلك من له صلة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وهل يرى الشيخ "علي" أن يسلخ الأحكام المتعلقة بأمور الدنيا من الدين ويترك الناس لأهوائهم ويقول " إن ذلك من الأغراض الدنيوية التي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون له فيها حكم وتدبير" ويدعي على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الدعوى؟!

وهل يرى الشيخ "علي" أن تدبير أمور الدنيا وسياسة الناس أهون عند الله من مِشْيةٍ  يقول الله في شأنها ) ولا تمش في الأرض مرحا) ، وأهون عند الله من شيء من المال يقول الله في شأنه :( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ) ويقول أيضا :( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط )، وأهون عند الله من صاع شعير أو رطل ملح يقول الله في شأنهما( وأوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم) !

وماذا يعمل الشيخ علي في مثل قوله تعالى ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) . وقوله تعالى ( وأن احكم بينهم بماأنزل الله ولا تتبع اهواءهم ) . وقوله تعالى :( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ) وقوله تعالى : (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) . وقوله تعالى في شأن الزوجين : (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما ) . وقوله تعالى :( ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها )  .

وماذا يعمل الشيخ علي في مثل مارواه البخاري ومسلم في صحيحهما أن ابنة النضر أخت الربيع لطمت جارية فكسرت سنِهَّا؛ فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛فأمر بالقصاص . فقالت أم الربيع: يا رسول الله اتقتص من فلانة ؟!، لا والله . فقال : "سبحان الله يا أم الربيع كتاب الله القصاص"  . ومثل مارواه البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال : قضى رسول الله بالشفعة في كل ما لم يُقَسَّم ،فإذا وقعت الحدود وصُرِفت الطرق فلا شفعة" . وما رواه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشاجروا في الطريق بسبعة أذرع ، ومارواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعي عليه . وما رواه أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد .

-2-

ومن حيث إنه زعم أن الدين لا يمنع من أن جهاد النبي صلى الله عليه وسلم كان في سبيل المـُلك ، لا في سبيل الدين ، ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين .

فقد قال في ص52" وظاهر أول وهلة أن الجهاد لا يكون لمجرد الدعوة إلى الدين ، ولا لحمل الماس على الإيمان بالله ورسوله "

ثم قال في ص53 " وإذا كان صلى الله عليه وسلم قد لجأ إلى القوة والرهبة فذلك لا يكون في سبيل الدعوة إلى الدين ، وإبلاغ رسالته إلى العالمين ، وما يكون لنا أن نفهم إلا أنه كان في سبيل المـُلك "

فالشيخ "علي" في كلامه هذا يقطع بأن جهاد النبي صلى الله عليه وسلم كان في سبيل المـُلك ، لا في سبيل الدين ، ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين .

وفي كلامه الذي سنذكره بزعم أن الدين لا يمنع من أن جهاده صلى الله عليه وسلم  كان في سبيل المـُلك ، فقد قال في ص54 " قلنا إن الجهاد كان آية من آيات الدولة الإسلامية ، ومثالا من أمثلة الشؤون الملكية . وإليك مثلاً آخر : كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عمل كبير متعلق بالشؤون المالية من حيث الإيرادات والمصروفات ،ومن حيث جمع المال من جهاته العديدة - الزكاة والجزية والغنائم .. إلخ - ومن حيث توزيع ذلك كله بين مصارفه ، وكان له صلى الله عليه وسلم سعاة وجباة يتولون ذلك له : ولا شك أن تدبير المال عمل ملكي ، بل هو من أهم مقومات الحكومات "

ثم قال في ص55 " إذا ترجح عند بعض الناظرين اعتبار تلك الأمثلة واطمأن إلى الحكم بأنه صلى الله عليه وسلم كان رسولاً وملكاً ؛فسوف يعترضه حينئذ بحث آخر جدير بالتفكير ، فهل كان تأسيسه صلى الله عليه وسلم للمملكة الإسلامية وتصرفه في ذلك الجانب شيئا خارجاً عن حدود رسالته صلى الله عليه وسلم أم كان جزءاً مما بعثه الله له وأوحى به إليه ؟ فأما إن المملكة النبويةعمل منفصل عن دعوة الاسلام وخارج عن حدود الراسلة فذلك رأي لا نعرف في مذاهب المسملين ما يشاكله ، ولا نذكر في كلامهم ما يدل عليه، وهو على ذلك رأي صالح لأن يذهب إليه، ولا نرى القول به يكون كفراً ولا إلحادا،ً وربما كان محمولا على هذا المذهب مايراه بعض الفرق الإسلامية من إنكار الخلافة في الإسلام مرة واحدة . ولا يهولنك أن تسمع أن للنبي صلى الله عليه وسلم عملا كهذا خارجا عن وظيفة الرسالة ،وأن ملكه الذي شيده هو من قبيل ذلك العمل الدنيوي الذي لا علاقة به بالرسالة ،فذلك قول إن أنكَرَتْه الأُذن لأن التشدق به غير مألوف في لغة المسلمين فقواعد الإسلام ومعنى الرسالة وروح التشريع وتاريخ النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك لا يصادم رأيا كهذا، ولا يستفظعه، بل ربما وجد ما يصلح له دعامة وسندا، ولكنه على كل حال رأي نراه بعيداً "  

فالشيخ علي أخذاَ من ص54 يقول " ان الجهاد كان مثالاً من أمثلة الشؤون الملكية"، فهو إذن في سبيل الملك لا في سبيل الدين ، وأخذاً من ص55 " وهو على ذلك رأي صالح لأن يذهب إليه و لا نرى القول به يكون كفراً ولا إلحاداً " ثم قال بعد ذلك " فقواعد الإسلام ومعنى الرسالة وروح التشريع وتاريخ النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك لا يصادم رأياً كهذا ،ولا يستفظعه، بل ربما وجد ما يصلح له دعامة وسنداً، ولكنه على كل حال رأي نراه بعيداً ".

فعُلم من كلامه  هذا أن الدين لا يمنع من أن جهاد النبي صلى الله عليه وسلم كان في سبيل الملك ، لا في سبيل الدين ، ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين . وهذا أقل ما يؤخذ عليه في مجموعة نصوصه .

على أنه لا يقف عند هذا الحد ، بل كما جوَّز أن يكون الجهاد في سبيل الملك ومن الشؤون الملكية جوز أن تكون الزكاة والجزية والغنائم ونحو ذلك في سبيل الملك أيضا ، وجعل كلَّ ذلك على هذا خارجاً عن حدود رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ،لم ينزل به وحي ،ولم يأمر به الله تعالى .

ومن حيث إن دفاع الشيخ "علي"  بقوله " إننا فد استقصينا الكتاب أيضا فلم نجد ذلك القول فيه وربما كان استنتاجا لم نهتد إلى مقدماته "  غير صحيح،  لأن مااتهم به نجده صريحاً في صحيفة 52 , 53 , 54 وفي ص55 حيث يقول " وهو على ذلك رأي صالح لأن يذهب  إليه، ولا نرى القول به يكون كفراً ولا الحاداً " وحيث يقول بعد ذلك " فقواعد الإسلام ومعنى الرسالة وروح التشريع وتاريخ النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك لا يصادم رأياً كهذا، ولا يستفظعه بل ربما وجد ما يصلح له دعامة وسنداً "

ومن حيث إن دفاع الشيخ "علي" بقوله :" إنه رأيٌ من الآراء لم نرض به ،ومذهب رفضنا آخر الأمر أن نذهب إليه " غير مطابق للواقع، لانه قال: " وهو على ذلك رأي صالح لأن يذهب إليه ...إلخ " وقوله بعد ذلك " ولكنه على كل حال رأى نراه بعيداً "؛ لاينفع،  فإنه مع قوله "وهو على ذلك رأي صالح لأن  يذهب إليه... "إلى آخره , أسلوب تجويز لا أسلوب رفض ـ يعرف ذلك من له إلمام بالمنطق وأساليب الكلام .

وقال الشيخ "علي" في دفاعه بعد ذلك " بل نحن قررنا ضد ذلك على خط مستقيم" ص 70،حيث قلنا :... وفي سبيل هذه الوحدة الإسلامية ناضل عليه السلام بلسانه وسنانه . وقلنا في ص 79 : لا يريبنك هذا الذي تراة أحيانا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فيبدوا لك كأنه عملٌ حكومي ومظهر للمـُلك والدولة، فإنك إذا تأملت لم تجده كذلك ،بل هو لم يكن إلا وسيلة من الوسائل التي كان عليه صلى الله عليه وسلم أن  يلجأ إليها تثبيتاً للدين وتأييداً للدعوة، وليس عجيباً أن يكون الجهاد وسيلة من تلكم الوسائل "

ودفاعه هذا لا يجدي . فإنه زعم أن ما قاله هنا ضد لما اتهم به، والواقع أنه ليس ضداً ،لأنه ساقه محتملاً أن يكون نضاله وجهاده عليه الصلاةو والسلام مما خرج عن حدود رسالته صلى الله عليه وسلم، وأن يكون جزءاً مما بعثه الله له ،وأوحى به إليه ،على الرأيين اللذين قررهما الشيخ "علي" . فالتهمة الموجهة إليه باقية

والشيخ "علي" بذلك لا يمنع أن يصادم صريح آيات الكتاب العزيز ،فضلاً عن صريح الأحاديث الصحيحه المعروفة ، ولا يمنع أن ينكرمعلوماً من الدين بالضرورة . قال تعالى ( فقاتل في سبيل الله ) وقال تعالى ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ) وقال تعالى ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) وقال تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) وقال تعالى ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) وقال تعالى في بيان مصاريف الزكاة ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ) وقال تعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) وقال تعالى ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل )

-3-

ومن حيث إنه زعم أن نظام الحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان موضع غموض أو ابهام أو اضطراب أو نقص ،وموجباً للحيرة فقد قال في ص40 " لا حظنا أن حال القضاء  زمن النبي صلى الله عليه وسلم غامضة ومبهمة من كل جانب "

وقال في ص 46 " كلما أمعنا كثيراً في حال القضاء زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حال غير القضاء أيضا من أعمال الحكم وأنواع الولاية وجدنا إبهاماً في البحث يتزايد وخفاء في الأمر يشتد ، ثم لا تزال حيرة الفكر تنقلنا من لبس إلى لبس ، وتردنا من بحث إلى بحث ، إلى أن ينتهي النظر بنا إلى غاية ذلك المجال المشتبه الحائر .

وقال في ص57 " إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسس دولة سياسية ،أو شرع في تأسيسها فلماذا خلت دولته إذا من كثير من أركان الدولة ودعائم الحكم ؟ ولماذا لم يعرف نظامه في تعيين القضاة والولاة  ؟ولماذا لم يتحدث إلى رعيته في نظام الملك في قواعد الشورى ؟ ولماذا ترك العلماء في حيرة واضطراب من أمر النظام الحكومي في زمنه؟ ولماذا! ولماذا ! نريد أن نعرف منشأ ذاك الذي يبدو للناظر كأنه إبهام ، أو اضطراب، أو نقص أو ماشئت، فسِّمه في بناء الحكومة أيام النبي صلى الله عيه وسلم وكيف كان ذلك وماسره ؟"

وهذا تصريح من الشيخ "علي" بما يثبت التهمة

وإذا كان قد اعترف ببعض أنظمة للحكم في الشريعة الإسلامية فإنه نقض الاعتراف وقرِّر أن هذه الأنظمة ملحقة بالعدم .

قال في ص 84 " ربما أمكن أن يقال إن تلك القواعد والآداب والشرائع التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم للأمم العربية ولغير الأمم العربية أيضا كانت كثيرة وكان فيها مايمس - إلى حد كبير - أكثر مظاهر الحياة في الأمم، فكان فيها بعض أنظمة للعقوبات، وللجيش، وللجهاد، وللبيع، والمداينة، والرهن، ولآداب الجلوس، والمشي، والحديث، وكثير غير ذلك " ثم قال: " ولكنك إذا تأملت وجدت أن كل ماشرعه الإسلام وأخذ به النبي المسلمين من أنظمة وقواعد وآداب لم يكن في شيء كثير ولا قليل من أساليب الحكم السياسي ولا من أنظمة الدولة المدنية ، وهو بعد إذا جمعته لم يبلغ أن يكون جزءاً يسيراً مما يلزم لدولة مدنية من أصول سياسية وقوانين "

ومن حيث إنه قال في دفاعه أنه ساق ذلك مساق الاعتراض على من يقول إن النبي صلى الله عيه وسلم كان صاحب حكومة، وأنه أخذ في رد الاعتراض عقب توجيهه ، ولكنه رد الاعتراض بجوابين لم يرتض واحداً منهما، ص59 و 63 فالتهمة باقية .

وقد رضي لنفسه مذهباً بعد ذلك هو قوله :" إنما كانت ولاية محمد صلى الله عليه وسلم على المؤمنين ولاية الرسالة غير مشوبة بشيء من الحُكم " ص80 . وهذه هي الطريقة الخطيرة التي خرج إليها ، وهي أنه جرد النبي صلى الله عليه وسلم من الحكم ،وقال : رسالة لا حكم، ودين لا دولة.

وما زعمه الشيخ "علي" مصادم لصريح القرآن الكريم . فقد قال الله تعالى :"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " وقال تعالى : " ونزَّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء " وقال تعالى: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم) وقال تعالى ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنّتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )  ومعلوم أن الرد إلى الله بالرجوع إلى كتابه العزيز، والرد إلى الرسول بالرجوع إلى سنته صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) والدين عند المسلمين ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله في معالمة الخالق والمخلوق .

-4-

ومن حيث إنه زعم أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بلاغاً للشريعة مجرداً عن الحكم والتنفيذ فقد قال الشيخ "علي" في ص 71 " ظواهر القرآن المجيد تؤيد القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له شأن في الملك السياسي ، وآياته متضافرة على أن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان "

ثم عاد فأكد ذلك فقال في ص73 " القرآن كما رأيت صريح في أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن من عمله شيء سوى إبلاغ رسالة الله تعالى إلى الناس، وأنه لم يكلف شيئاً غير ذلك البلاغ ، وليس عليه أن يأخذ الناس بما جاءهم به ولا أن يحملهم عليه " .

ولو كان الأمر كما زعم هو لكان ذلك رفضاً لجميع آيات الأحكام الكثيرة في القرآن الكريم ، ودون ذلك خرط القتاد !

وقد قال الشيخ "علي" في دفاعه: إنه قرر في مكان آخر من الكتاب بصراحة لا مواربة فيها أن للنبي صلى الله عليه وسلم سلطاناً عاماً ، وأنه ناضل في سبيل الدعوة بلسانه وسنانه .

وهذا دفاع لا يجدى، إذا لو كان معنى ذلك الذي قرر في ص66 و70 كما أشار إليه أن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم السماوي يتجاوز حدود البلاغ المجرد عن كل معاني السلطان لما كان سائغاً أن يقول بعد ذلك في صفحة 71 إن آيات الكتاب متضافرة على أن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان وأن يقول بعد ذلك في صفحة 73 إن القرآن صريح في أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن من عمله شيء غير إبلاغ رسالة الله تعالى إلى الناس بما ولم يكلف شيئا غير ذلك ، وليس عليه أن يأخذ الناس بما جاءهم به ولا أن يحملهم عليه .

والواقع أن السلطان الذي أثبته إنما هو السلطان الروحي كما صرح به في مذكرة دفاعه، حيث قال فيها : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستولي على كل ذلك السلطان لا من طريق القوة المادية وإخضاع الجسم كما هو شأن الملوك والحكام؛ ولكن من طريق الإيمان به إيماناً قلبياً ؛والخضوع له خضوعاً روحياً " فكان دفاعه إثباتاً للتهمة لا نفياً لها .

على أنه قد نسب في ص65 و 66 السلطان إلى عوامل أخرى من نحو الكمال الخُلقي والتميز الاجتماعي، لا إلى وحي الله، وآيات كتابه الكريم، كما أنه جعل الجهاد في موضع آخر من كتابه وسيلة كان على النبي صلى الله عليه وسلم أن يلجأ إليها لتأييد الدعوة ولم ينسبه إلى وحي الله وأمره .

وكلام الشيخ "علي"  مخالف لصريح كتاب الله تعالى الذي يردّ عليه زعمه،  ويثبت أن مهمته صلى الله عليه وسلم تجاوزت البلاغ إلى غيره من الحكم والتنفيذ، فقد قال الله تعالى ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) وقال تعالى ( وأن اُحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض بما أنزل الله إليك ) ،وقال تعالى ( وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأُمرت لأعدل بينكم )، وقال تعالى ( وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأُمرت لأ عدل بينكم )،  وقال تعالى ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها )، وقال تعالى ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وقال تعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغون ) وقال تعالى ( فقاتل في سبيل الله ) وقال تعالى ( يا أيها النبي حرِّض المؤمنين على القتال ) وقال تعالى ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ) وقال تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت احداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) .

وكلام الشيخ علي مخالفٌ أيضا لصريح السنة الصحيحة، فقد روى البخاري في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوال الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام " وروى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب فقال "اضربوه" . وروى عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمّهم المرأة المخزومية التي سرقت، وقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجتريء عليه إلا أسامة حِبُّ رسول الله صلى اله عليه وسلم، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" "أتشفع في حدٍّ من حدود الله" . ثم قام فخطب فقال "يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لوأن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها "

فهل يجوز أن يقال بعد ذلك في محمد صلى الله عليه وسلم أن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان، وأنه لم يكلف أن يأخذ الناس بما جاءهم به ولا أن يحملهم عليه ؟

وهل يجوز أن يقال بعد ذلك في القرآن الكريم إنه صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن من عمله شيء غير إبلاغ رسالة الله إلى الناس؛ وليس عليه أن يأخذ الناس بما جاءهم به ولا أن يحملهم عليه ؟

-5-

ومن حيث إنه أنكر إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام، وعلى أنه لا بد للأمة ممن يقوم بأمرها في الدين والدنيا . فقد قال في ص22 " أما دعوى الإجماع في هذه المسألة- وجوب نصب الإمام - فلا نجد مساغاً لقبولها على أي حال ، ومحُالٌ إذا طالبناهم بالدليل أن يظفروابدليل . على أننا مثبتون لك فيما يلي أن دعوى الإجماع هنا غيرُ صحيحة، ولا مسموعة، سواء أرادوا بها إجماع الصحابة وحدهم ؛أم الصحابة والتابعين، أم علماء المسلمين، أم المسلمين كلهم بعد أن نمهد لهذا تمهيدا "

ادعى الشيخ "علي" في ذلك التميهد أن حظ العلوم السياسية في العصر الإسلامي كان سيئاً ؛على الرغم من توافر الدواعي التي تحمل على البحث فيها ؛وأهمها أن مقام الخلافة منذ زمن الخليفة الأولى كان عرضة للخارجين عليه ، غير أن حركة المعارضة كانت تضعف وتقوى . ثم ساق بعض أمثلة يؤيد بها ما يدعيه من أن الخلافة كانت قائمة على السيف والقوى لا على البيعة والرضا .

ولو سلم للشيخ "على" ذلك جدلاً لما تم له مايزعمه من إنكار إجماع الصحابة على وجوب نصب إمام للمسلمين . فإن إجماعهم على ذلك شيء ؛وإجماعهم على بيعة إمام معين شيء آخر . واختلافهم في بيعة إمام معين لا يقدح في اتفاقهم على وجوب نصب الإمام ، أي إمام كان . وقد ثبت إجماع المسلمين على امتناع خلو الوقت من إمام . ونقل إلينا ذلك بطريق التواتر ،فلا سبيل إلى الإنكار .

وقد اعترف الشيخ "علي" في دفاعه بأنه ينكر الإجماع على وجوب نصب الإمام بالمعنى الذي ذكره الفقهاء، وقال عن نفسه: إنه يقف في ذلك في صف جماعة غير قليلة من أهل القبلة ( يعني بعض الخوارج والأصم )،  وهو دفاع لا يبرئه من أنه خرج على الإجماع المتواتر عند المسلمين، وحسبه في بدعته أنه في صف الخوارج ؛ لا في صف جماهير المسلمين : وهل وقوفه في صف الخوارج الذين خالفوا الإجماع بعد انعقاده يُسوّغ له أن يخرج على إجماع المسلمين ؟

قال في المواقف وشرحه : " تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على إمتناع خلو الوقت عن خليفة وإمام ، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته المشهورة حين وفاته عليه السلام " ألا إن محمداً قد مات ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به "  فبادر الكل إلى قبوله، ولم يقل أحد لا حاجة إلى ذلك ،بل اتقفوا عليه، وقالوا ننظر في هذا الأمر . وبكَّروا إلى سقيفة بني ساعدة ،وتركوا له أهم الأشياء وهو دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم . واختلافهم في التعيين لا يقدح في ذلك الاتفاق ،ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر إلى زماننا هذا من نصب إمام متبع في كل عصر "

وقد روى مسلم في صحيحه حديث حذيفة ، وقد جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" . قلت :فإن لم يكن لهم إمام ؟ قال :" فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت " وروى مسلم أيضا أن النبي صلى الله عيه وسلم قا ل: " من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " وروى مسلم أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء ،كلما هلك نبي خلفة نبي ، وأنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر" ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال :" فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله ساءلهم عما استرعاهم " وروى مسلم أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إنما الإمام جُنَّةٌ يقُاتَل مِن روائه ويُتَّقى به، فإن أمر بتقوى الله عزوجل وعدل كان له بذلك أجر، وإن أمر بغيره كان عليه منه " .

-6-

ومن حيث إنه أنكر أن القضاء وظيفة شرعية فقد قال في ص103 " والخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية كلا، ولا القضاء، ولاغيرهما من وظائف الحكم، ومراكز الدولة، وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة ،لا شأن للدين به،ا فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولاأمر بها، ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا نرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة " .

وكلام الشيخ "علي" في دفاعه يقضي بأن الذين ذهبوا إلى أن القضاء وظيفة شرعية جعلوه متفرعاً عن الخلافة، فمن أنكر الخلافة أنكر القضاء .

وكلامه غير صحيح، فالقضاء ثابت بالدين على كل تقدير، تمسكاً بالأدلة الشرعية التي لا يستطاع نقضها . وقد ذكرنا فيما تقدم كثيراً من الآيات والأحاديث في الحكم والقضاء . وسنذكر شيئاً من ذلك فيما يأتي.

وقال الشيخ "علي" في دفاعه: " إن الذي أنكر أنه خطة شرعية إنما هو جعل القضاة وظيفة معينة من وظائف الحكم ومراكز الدولة واتخاده مقاما ذا أنظمة معينة وأساليب خاصة "

وهو دفاع غير صحيح، فإن عبارتيه في ص103 فيها إنكار أن القضاء نفسه خطة دينية . وقد زعم أنه خطة سياسية صرفه لا شأن للدين فيها .

وقد نقل عن ميزان الشعراني في دفاعه : أن الإمام أحمد في أظهر روايته يرى أنه - أي القضاء - ليس من فروض الكفايات،ولا يجب على من تعين له الدخول فيه ،وإن لم يوجد غيره "

وهذا دفاع عن القضاء نفسه . وبذلك يتبين أيضاً أنه قد أنكر أن القضاء نفسه وظيفة شرعية، لا جعل القضاء وظيفة معينة من وظائف الحكم ومراكز الدولة، واتخاذه مقاما ذا أنظمة معينة وأساليب خاصة، فلزمته التهمة .

واستناده إلى ما نقله الشعراني في ميزانه عن الإمام أحمد استناد لا ينفعه،  فإن الذي حرر من ميزان الشعراني إنما هو إلى باب ما يحرم من النكاح، وقد ذكر ذلك الشعراني نفسه في ص8 من الجزء الأول من الميزان ، وكتاب الأقضية واقع بعد ذلك بسبعة عشر كتاباً ،فكتاب الأقضية في ميزان الشعراني لم يحرر حتى يكون مافيه مستنداً صحيحاً .

وقال صاحب "الإشاعة في أشراط الساعة"  أن الشعراني لم يحرر ميزانه في حياته،  وأنه قال : لا أحل لأحد أن يروى هذا الكتاب عني حتى يعرضه على علماء المسلمين ويجيزوا مافيه . انتهى الكلام .

والمعروف في كتب الحنابلة أن القضاء من فروض الكفايات، راجع ص 258 من الجزء الرابع من المنتهى وص 967 من الإقناع، وص589 من المقنع، وقد ذكر محشية عند قوله " وهو فرض كفاية " أن ذلك هو المذهب، وذكر قولاً عن الإمام أحمد بأن القضاء سنة، فإذا لم يكن القضاء فرض كفاية عند الإمام أحمد فهو سنة عنده،  والمسنون من الخطط الشرعية .

فما زعمه الشيخ "علي" من إنكار أن القضاء وظيفة شرعية وخطة دينية باطل؛ ومصادم لآيات الكتاب العزيز . قال الله تعالى ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسلميا ) وقال تعالى ( فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ) وقال تعالى( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) وقال تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) .

-7-

ومن حيث أنه يزعم أن حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم كانت لا دينية فقد قال في ص 90 ":  طبيعي ومعقول إلى درجة البداهة ألا توجد بعد النبي صلى الله عليه وسلم زعامة دينية ، وأما الذي يمكن أن يتصور وجوده فإنما هو نوع من الزعامة جديد، ليس متصلاً بالرسالة ولا قائماً على الدين وهو إذاً نوع لا ديني "

وهذه جرأة لا دينية ،فإن الطبيعي والمعقول عند المسملين إلى درجة البداهة أن زعامة أبي بكر رضي الله عنه كانت دينية ، يعرف ذلك المسلمون سلفهم وخلفهم ، جيلا بعد جيل . ولقد كانت زعامته على أساس " أنه لا بد لهذا الدين ممن يقوم به " وقد انعقد على ذلك إجماع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، كما سبق .

ودفاع الشيخ "علي" بأن الذي يقصده - من أن زعامة أبي بكر لا دينية - أنها لا تستند إلى وحي ولا إلى رسالة مضحكٌ موقعٌ في الأسف، فإن أحداً لا يتوهم أن أبا بكر رضي الله عنه كان نبياً يُوحى إليه حتى يُعنى الشيخ علي بدفع ذلك التوهم .

لقد بايع أبا بكر رضي الله عنه جماهيرُ الصحابة من أنصار ومهاجرين على أنه القائم بأمر الدين في هذه الأمة بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم فقام بالأمر خير قيام . ومثله في هذا بقية الخلفاء الراشدين

وإن ماوصم به الشيخ "علي"  أبا بكر رضي الله عنه من أن حكومته لا دينية لم يقدم على مثله أحد من المسلمين  ، فالله حسبه

ولكن الذي يطعن في مقام النبوة يسهل عليه كثيراً أن يطعن في مقام أبي بكر وإخوانه الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين

*   *   *

ومن حيث إنه علاوة  على ما ذكر يقف الشيخ "علي" في ص 34 و35 من المسلمين موقف الطاعن على دليلهم الديني والخارج على إجماعهم المتواتر الذي انعقد على شكل حكومتهم الدينية أو موقف المجيز للمسلمين إقامة حكومة بلشفية . وكيف ذلك والدين الإسلامي في جملته وتفصيله يحارب البلشفية، لأن البلشفية فتنة في الأرض وفساد كبير ، لقد وضع الدين الإسلامي أنظمة للمواريث يلجأ إليها أحياناً غير المسلمين لما فيها من الرحمة والعدل ، وأوجب على المسلمين مقادير من الصدقات تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، وأمرنا بإقامة الحكومة الدينية العادلة التي تحفظ لكل ذي حق حقه ،ولكل عامل ثمرة عمله . وجعل للدماء والأعراض والأموال حرمةً لا يجوز انتهاكها، وضرب على أيدي المفسدين في الأرض . وحسبنا في ذلك أن نقول إن البلشفية تهدم نظام المجتمع الإنساني،  وتُضيع حكمة الله في جعل الناس درجات ينتفع بعضهم من بعض، قال الله تعالى ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم  فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا )

ومن حيث إن الشيخ "عليا"  يقول في ص103" لا شيء في الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الا جتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له واستكانوا إليه ، وأن يبنوا قواعد مُلْكهم ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم " ومعلوم أن أصول الحكم ومصادر التشريع عند المسلمين إنما هي كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين . وليس هناك للمسلمين خير منها. والشيخ "علي" يطلب أن يهدموا ما بنوه على هذه الأصول من نظام حكومتهم ( العتيق )،  ويطلب إليهم أن يبنوا حكومتهم وشئونهم الدينية والدنيوية على أصولٍ خيرٍ من أصولهم، يجدونها عند الأمم غير الإسلامية . فكيف يبيح دين الإسلام للمسلمين أن يهدموه ؟

ومن حيث إنه يزعم في ص 83 و 74 أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغير شيئا من أساليب الحكم عند أي أمة ؛أو قبيلة في البلاد العربية؛ وإنما تركهم ومالهم من فوضى أو نظام ، وهذا طعن صريح على محمد صلى الله عليه وسلم بأنه لم يرسل لسعادة الناس في دينهم ودنياهم ، وطعن صريح على كتاب الله تعالى بأنه غير واف بما يلزم في الشؤون الاجتماعية ، وقد قال الله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، وقال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شي فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون* الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحِلُّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه  ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) . وقال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) .

*   *   *

ومن حيث إنه تبين مما تقدم أن التهم الموجة ضد الشيخ "علي عبد الرازق"  ثابتة عليه وهي مما لا يناسب وصف العالمية وفاقا للمادة (101) من القانون رقم 10 سنة 1911م ونصها :

" إذا وقع من أحد العلماء أيًّا كانت وظيفته؛ أو مهنته ما لا يناسب وصف العالمية يُحْكَم عليه من شيخ الجامع الأزهر بإجماع تسعة عشر عالماً معه من هيئة كبار العلماء المنصوص عليه من الباب السابع من هذا القانون بإخراجه من زمرة العلماء . ولا يُقبلُ الطعن في هذا الحكم، ويترتب على الحكم المذكور محو اسم المحكوم عليه من سجلات الجامع الأزهر ،والمعاهد الأخرى وطرده، من كل وظيفة ،وقطع مرتباته في أي جهة كانت، وعدم أهليته للقيام بأية وظيفة عمومية دينية كانت أو غير دينية " .

فبناء على هذه الأسباب

حكمنا نحن شيخ الجامع الأزهر بإجماع أربعة وعشرين عالما معنا من هيئة كبار العالماء بإخراج الشيخ "علي عبد الرازق" أحد علماء الجامع الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية ومؤلف كتاب " الإسلام وأصول الحكم " من زمرة العلماء .

صدر هذا الحكم بدار الإدارة العامة للمعاهد الدينية في يوم الأربعاء 22المحرم سنة 1344هـ   12 أغسطس سنة 1925م  

شيخ الجامع الأزهر





حكم مجلس التأديب

بوزارة الحقانية

بجلسة تأديب قضاة المحاكم الشرعية بوزارة الحقانية ببولكلي في يوم الخميس 29 صفر سنة 1344 هـ - 17سبتمبرسنة1925م الساعة العاشرة والثلث صباحا تحت رئاسة حضرة صاحب المعالي "علي ماهر "باشا وزير الحقانية بالنيابة ، وبحضور كل من حضرات أصحاب الفضيلة :الشيخ عبد الرحمن قرّاعة مفتي الديار المصرية ، وحضرة صاحب الفضيلة : الشيخ أحمد العطار نائب المحكة العليا الشرعية ،وحضرتي :الشيخ محمد مخلوف رئيس التفتيش الشرعي ، والشيخ عبد الجليل عشوب مفتش المحاكم الشرعية أعضاء، وحضرة أحمد محمد حسن أفندي مدير مكتب وزير الحقانية

صدر الحكم الآتي في قضية تأديب الشيخ "علي عبد الرازق"

( الـــمـــــجــــــلـــــــس )

" بعد الإطلاع على قرار هيئة كبار العلماء الصادر بتاريخ 22 المحرم سنة 1344هـ الموافق 12 أغسطس سنة 1925م .

وعلى الخطاب المرسل من الشيخ "علي عبد الرازق" لمعالي وزير الحقانية بتاريخ 5سبتمبر1925م الذي يبين فيه أوجه دفاعه، ومن حيث إن المتهم قد أعلن قانونا بتاريخ 10سبتمبر سنة 1925م للحضور أمام هذا المجلس ولم يحضر .

 وبما أن فضيلة شيخ الجامع الأزهر ومعه أربعة وعشرون عالماً من هيئة كبار العلماء قضوا بالإجماع في 22المحرم سنة  1344  هـ الموافق 12 أغسطس سنة 1925 م بإخراج  الشيخ "علي عبد الرازق" من زمرة العلماء بسبب ما أذاعه في كتابه " الإسلام وأصول الحكم " .

 وبما أن المادة الأولى بعد المائة من القانون رقم 10 لسنة 1911م الخاص بالجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الإسلامية ترتب على هذا لاحكم طرد المحكوم عليه من كل وظيفة ، وقطع مرتباته في أية جهة كانت

" وبما أن مجلس تأديب القضاة الشرعيين   المنصوص عنه في قرار وزير الحقانية الصادر في 18ابريل سنة 1917م  وهو الذي يملك عزل القضاة الشرعيين بصفة نهائية ، وهو كذلك بطبيعة الحال الجهة المنوط بها تنفيذ مثل هذا الحكم الصادر من هيئة كبار العلماء .

" وبما أنه يلزم البدء بتعرف وتحديد ماهية ما لمجلس التأديب من السلطة حين ينعقد لتنفيذ الحكم الصادر تطبيقاً للمادة الأولى بعد المائة من قانون الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الإسلامية لمعرفة ما إذا كان مجلس التأديب مختصا بالنظر في موضوع التهمة ، وبالفصل فيما إذا كان الحكم الصادر فيها من هيئة كبار العلماء صحيحا أو غير صحيح ،و فيما إذا كان العالم الذي حوكم قد ارتكب بالفعل أمرا يوقعه تحت طائلة القانون ، أو أن هنالك تجاوزاً في التطبيق القانوني .

وبما أنه من المسلم الذي لاريب فيه أن مجلس التأديب لا يملك شيئا مما تقدم ،إذ من المباديء العامة المقررة : أن الهيئات القضائية المختلفة تعتبر في الدولة على حدٍّ سواء ، وليس بينها في دوائر اختصاصها أي تفاوت في الإعتبار .

 وبما أن الفقرة الثانية من المادة الأولى بعد المائة الآنف ذكرها تنص على أن الحكم الصادر من هيئة كبار العلماء لا يقبل الطعن ، فيلزم من هذا أنه ليس لأية سلطة قضائية أن تلغيه، أو تبحث عن صحته ، كما يلزم منه أن سلطة مجلس التأديب مقصورة حتماً على النظر فيما يترتب  على حكم هيئة كبار العلماء من النتائج القانونية .

 عـــــــــن الاخـــتـــــــــصـــــــــــاص

" وبما أن الدفع لبعدم اختصاص هيئة كبار العلماء بالنظر في موضوع كتاب " الإسلام وأصول الحكم " مبناه أن عبارة " مالا يناسب وصف العالمية " الوارد في المادة الأولى بعد المائة من القانون رقم 10 سنة 1911م لا تتناول إلا الأفعال الشائنة التي تمس كرامة العالم ، كالفسق وشرب الخمر ، والميسر ، وما أشبه ذلك مما يتعلق بالسلوك الشخصي، وأن هذه العبارة لا يمكن أن تتعدى ذلك إلى الخطأ في الأبحاث العلمية الدينية .

وبما أن هذا الدفع على فرض صحته وقبوله لا يطعن في اختصاص هيئة كبار العلماء ، وليس له من نتيجة سوى ماقد يفهم من أن حكم الهيئة أخطأ في تطبيق القانون . أما اختصاص الهيئة فلا يُطعن فيه ، لأن الشيخ "علي عبد الرازق" كان من العلماء ، ولأن الفعل الذي حوكم من أجله مما قد يقع من العلماء ويتصل بهم ، ولأن القانون أجاز لهيئة كبار العلماء محاكمة العالم أياً كانت وظيفته أو مهنته .

 وبما أنه على فرض وقوع خطأ في التطبيق القانوني ، فليس من اختصاص أية سلطة أخرى أن تنظر فيه  على أنه ليس ثمة ما يدل على وقوع خطأ في تطبيق القانون ،لأن عبارة " مالا يناسب وصف العالمية " جاءت عامة مطلقة من كل قيد ، بحيث لا يمكن قصرها على السلوك الشخصي ، فضلاً عن أن وصف العالمية يفترض بذاته فوق السلوك الشخصي كفاية علمية خاصة ، وعقيدة معينة . ولا شك أن هيئة كبار العلماء هي المختصة دون غيرها بالفصل فيما إذا كانت هذه العقيدة مطابقة أو غير مطابقة للدين ، وفيما إذا كان صاحبها قد ارتكب أو لم يرتكب مالا يناسب وصف العالمية .

يؤيد ماتقدم أن هيئة كبار العلماء ليست هيئة مدنية ، ولا مجرد هيئة أخلاقية ،حتى يقصر عملها على مراقبة السلوك الشخصي للعلماء ، وإنما هي قبل كل شيء دينية ،الغرض من تكوينها رعاية أصول الدين ومبادئه ، وصيانتها من كل عبث .

وبما أنه مسلَّـم فوق ذلك أن لكل جماعة ناموسا خاصا ، وحقا مقرراً يجيز لها أن تطرد من هيئتها كل عضو ترى أنه غيرُ لائق بها . وهذا الحق الطبيعي ثابت لها بدون احتياج إلى نص وضعي يقرره . ويبنى على ذلك أن هيئة كبار العلماء يصح لها أن تُخرج أي عالم من زمرة العلماء ولو لم يكن ثمة قانون ينص على ذلك .

وبما أنه لا معنى كذلك للاحتجاج بالمواد 12 و 14 و 167من الدستور ،لأن المادة 12 التي تنص على أن " حرية الإعتقاد مطلقة " والمادة 14 التي تنص على أن " حرية الرأي مكفولة ....في حدود القانون " لا تفيدان سوى أن لكل إنسان الحق في أن يعتنق الدين الذي يريده ، أو يكوّن لنفسه الإعتقاد الذي يرضاه ، أو يعرب عن رأيه بالقول ، أو الكتابة ،أو التصوير بدون أن يتعرض للعقاب بسبب اعتناقة ديناً من الأديان ، أو إبانته عن رأي من الآراء مادام أنه لم يخرج عن حدود القانون .

وبعبارة أخرى : لاتفيد هاتان المادتان سوى أن كل إنسان له أن يتمتع بحقوقه الوطنية ، كحق الترشيح للانتخاب ،أو التصويت فيه، مهما كان دينه ،أو مذهبه، أو رأيه ، وهذا لا ينافي أن الحكومة مثلاً لها أن تفصل من خدمتها كل وطني يرتكب أموراً معينة ، ولهذا قيدت المادة 14 من الدستور حرية الرأي بأنها الحرية المستعملة في حدود القانون .

" ويلزم مما تقدم أن الذي حظره الدستور إنما هو المحاكمة الجنائية؛ أو الحرمان من الحقوق الوطنية بسبب اعتناق دين أو عقيدة ما . أما صفة العالم أو صفة الموظف فلا مانع من أن تكون محلاً لتقنين خاص ، وهذا التقنين لا يتعارض مع الدستور في شيء ما .

 وبما أنه لا صحة للقول بأن الفقرة الأخيرة من المادة الأولى بعد المائة ، وهي المادة السابق الإشارة إليها ، والمنصوص فيها على العقوبات التبعية قد نسخها الدستور ، لأن الدستور قد نص في المادة 167 على استمرار العمل بالقوانين والمراسيم والأوامر واللوائح والقرارات ، مادام نفاذها متفقاً مع المباديء المقررة فيه . وظاهر أن قانون الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الإسلامية لا يوجد فيه ما يخالف تلك المباديء كما سبق بيانه .

 وفوق ذلك؛ فما دامت الوظيفة التي يشغلها الشيخ "علي عبد الرازق" من وظائف العلماء- أي وظيفة دينية-  ، فهي لذلك لا تحل إلا لمن كان مقراً له بأنه من رجال الدين .

 وبما أن المجلس يرى أن يقرر إثبات عزل الشيخ "علي عبدالرازق" من اليوم الذي صدر فيه قرار هيئة كبار العلماء بإخراجه من زمرة العلماء.







فـــــــــلـــــــــــهــــــــــذه الأســــــــــــبــــــــــــــــــــاب

 قرر المجلس بإجماع الآراء  إثبات فصل الشيخ "علي عبدالرازق"  المذكور من وظيفته اعتبارا من يوم 22 المحرم سنة1344 هـ  12 أغسطس سنة 1925م مع مراعاة عدم حرمانه من حقه في المكافأة .

رئيس المجلس

عــــــــــــلــــــــــــــي مــــــــــاهـــــــــــر بــــــــــــاشـــــــــــــــــــــا

وزير الحقانية بالنيابة



الأعـــــــــــــــــــــــــــــــــضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء

  الشيخ : عبــد الرحمـــــن قرّاعة                             الشيخ أحـمــــد العـطـــــــار

       مفتي الديار المصرية                                            نائب المحكمة العيا الشرعية



    الشيخ محمد مخلوف                                  الشيخ عبد الجليل عشوب

     رئيس التفتيش الشرعي                                              مفتش المحاكم الشرعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.