الحروب الصليبية

السبت، 25 يونيو 2011

الأمن والإيمان



إن توفر الأمن ضرورة من ضرورات الحياة، قد تفوق ضرورة الغذاء والكساء، بل لا يستساغ طعام إذا فقد الأمان. والأمان في جوهره ومعناه: لا يكون إلا مع الإيمان، والسلام في حقيقته لا يكون إلا مع الإسلام: الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].

((لا إيمان لمن لا أمانة له)) أخرجه أحمد ، ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))متفق عليه.
ومن دخل في الإسلام فقد دخل في دائرة الأمن والأمان: ((من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه، وحسابه على الله عز وجل)) أخرجه مسلم . ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) أخرجه مسلم .
 وإذا تحقق الإسلام والإيمان توفرت أسباب الأمن والأمان:( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذالِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )[النور:55].

ولئن كان الأمن يتوفر برسوخ الإيمان في القلوب، وتطهير الأخلاق في السلوك، وتصحيح المفاهيم في العقول، فإنه لابد في ذلك من الشرع العادل، والسلطان القوي:( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ )[الحديد:25].
إن من الناس صنفاً غليظاً لا يكفيه توجيه رفيق، ولا يكفيه وعظ بليغ، بل لا يردعه إلا عقوبة زاجرة، وقوة صارمة، لذا كان لابد من سوط السلطان مع زواجر القرآن، وقد جاء في الأثر: ((إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)).
ولكي يشيع الأمان، ويطمئن الإنسان، شرعت الشرائع الحازمة لمعكري الأمن ومثيري القلاقل، إنها مبادئ وأحكام، من أجل ضبط المجتمعات، أساسها الرحمة العامة والمصلحة الراجحة.
إنها الرحمة المصاحبة للعدل في قانون الإسلام، وأنزلت من أجلها الشرائع، وسنت لها الأحكام، وجاء بها رسول البشرية محمد وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. فالغاية من الرسالة المحمدية الرحمة بالبشرية.
وإن الرحمة بمفهومها الواسع غير مقصورة على الشفقة والرقة التي تنبت في النفس نحو مستضعف أو أرملة أو طفل، ولكنها رحمة عامة للضعيف والشريف، والرئيس والمرؤوس، والقريب والبعيد.
لا مكان للرحمة لناشري الفوضى، ومهدري الحقوق، ومرخصي النفوس. كيف تكون الرأفة بذئاب الأعراض والأموال والدماء؟ لا يعرف العدالة في هذه القوة إلا المقروحون والمكتوون ممن أهدرت دماؤهم، وانتهكت أعراضهم، ونهبت أموالهم. هل تترك تلك الكلاب المسعورة حرة طليقة تزداد ضراوة ويزداد المجتمع بها بلاء وشقاوة؟!.
 إن شرائع القصاص والحدود بعض مظاهر الرحمة في هذا الدين.
إن أغلب المجرمين يقدمون على القتل حين يذهلون عن الثمن الذي يدفعونه حتما. ولو علموا أنهم مقتولون يقيناً لترددوا ثم أحجموا.
ويوم قالت العرب: القتل أنفى للقتل، قال القرآن الكريم عبارة أوجز لفظاً وأحكم أسلوباً: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياةٌ [البقرة:179]. نعم إن في القصاص حياة.. حين يكف من يهم بالجريمة عن الإجرام. وفي القصاص حياة حين تشفى صدور أولياء القتيل من الثأر الذي لم يكن يقف عند حد لا في القديم ولا في الحديث.
ثأر تسيل معه الحياة على مذابح الأحقاد العائلية والثارات القبلية جيلا بعد جيل لا تكف الدماء عن المسيل.
فللقصاص حياة أعم وأشمل، حياة تشمل المجتمع كله، حيث يسود البلاد الأمان الذي يصون الدماء.
وكما حفظت النفوس، حفظت الأعراض، فلا قسوة في جلد أو رجم، لأن الغرض الأسمى هو حماية الشرف وصيانة الأسر، وإشاعة الطهر والعفة بين الرجال والنساء: وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2].

ومن أجل هذا وتأكيداً لحفظ حرمات الناس من أن تستطيل عليها الألسنة الحداد، فتقع في الإفك وتشيع الفحشاء، شرع حد القذف ليجلد المفترون، وتسقط كرامتهم، وترد شهادتهم وتحفظ أعراض العفيفين والعفيفات.
أما السراق واللصوص.. فأين دعاة الرحمة من عامل كادح قد قبض أجره ليضعه في أفواه نساء وصبية فإذا بيد آثمة تمتد إلى كسبه، وتستولي على رزقه، إن هذا اللص يحصد -مجرماً- في لحظات ما كدح الشرفاء في تحصيله الليالي والأيام. وهكذا يأكل القاعد الخبيث كدح الساعي المرهق.
إن اليد العاملة الكاسبة حقها أن تصان وتحمى، حقها أن يضمن لها سعيها، وتأمن في معاشها، أما اليد الفاسدة التي عزفت عن شريف العمل وامتدت إلى الناس بالأذى، وعز علاجها فلابد من قطعها ليرتاح منها صاحبها، ويريح المجتمع كله من مفاسده.
إن السطو على الأموال جريمة تزداد وتستشري: إن لم تقابل بالعلاج الزاجر الحاسم، تتحول إلى جرأة على الدم الحرام.
ما أيسر أن يقتل اللص من يعترض طريقه، سواء كان هذا المعترض من رجال الأمن أو من رجال الأعمال والأموال.
بل حينما يستفحل أمرهم ويتصاعد خطرهم، تعظم العقوبة الزاجرة في حقهم، لأنهم أصبحوا محاربين لله ولرسوله، ساعين في الأرض فساداً فجزاؤهم: أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرْضِ ذالِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33].
ذلكم حكم الله أنزله إليكم. إن الغلظة في العقوبة أيها الرحماء تتكافأ مع غلظ الجريمة. إن الرفق بمن ثبتت جريمته ليس من الرحمة في شيء، وكيف يكون إقرار الظلم والاعتداء على الآمنين والتقاعس عن الجزاء الرادع رأفة ورحمة. فالرحمة الحقيقية هي التي لا تحمل في ثناياها ظلماً ولا هضماً.
لقد تعالت صيحات من هنا وهناك تنادي بإلغاء عقوبة الإعدام لمن يستحقها، فهذا المجرم عندهم منحرف المزاج مضطرب النفس، ينبغي أن يعالج. إنه اعتذار عن السفاكين ومرخصي الدماء فألغيت عقوبة الإعدام في دول شتى. وفتحوا سجوناً كثيرة سمن فيها المجرمون لكي يخرجوا أشد ضراوة وأكثر شقاوة.
ومن اليسير أن يتعاون اللصوص والقتلة في إدراك مآربهم، ورسم خططهم، ليكونوا عصابات ويتقاسموا المهمات. وكأنكم تحسون بأن السجون تصبح ساحات ممهدة لاجتماع هؤلاء وإحكام خططهم، بل لعلهم يديرونها ويدبرونها من خلف قضبان السجون ولهم في الخارج إخوان يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون.
إن الريبة لتثور حول ضمائر هؤلاء المدافعين عن المجرمين.
ويكاد المتعجب أن يقول: لا يعطف على اللص إلا لص مثله، ولا يرأف بالقاتل إلا قاتل مثله.
ماذا كسب الدين أهملوا حكم الله في الحدود والقصاص وأعملوا حكم الطاغوت؟ لم يجنوا إلا انتشار الجريمة، وسيادة الفوضى، وذعر الألوف في مساكنهم ومسالكهم. وفي الحديث: ((وما ترك أئمتهم العمل بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) رواه ابن ماجه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.