في ظل الانتفاضة الشعبية التي صارت تلف عدة دول عربية، ليس فقط طمعا في العيش في حياة اقتصادية كريمة، ولكن أملا في مستقبل تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية، صارت تنتاب كثيرين ممن هم في داخل دولنا العربية والإسلامية وخارجها من الدول الأجنبية الكبرى مخاوف ، أقل ما توصف بأنها فزاعة الخوف من وصول الإسلاميين للسلطة.
موضع الخوف والقلق مرده هنا ، هو نجاح ثورتي الياسمين والشعب في كل من تونس ومصر، وخلع الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك من الحكم، حتى صار من هم في الداخل والخارج في فزع أقل ما يوصف عنه بأنه "فوبيا" التيار الإسلامي ، وهى نفس المخاوف التي كان يصدرها النظامين المخلوعين وغيرهما من الأنظمة القائمة بالدول العربية والإسلامية إلى الغرب بأنه في حال إطلاق الحريات ، فان الإسلاميين والقوى السياسية ذات المرجعية الإسلامية حتما ستصل إلى السلطة، ومن ثم تهدد المصالح الغربية الكبرى بهذه الدول.
على هذا النحو لمس المستبدون المبرر لوجودهم لدى الغرب بالأساس ، قبل شعوبهم في تأكيدهم على أن حكمهم ينبغي أن يكون بالقهر والنار، ولا يحتاج معارضوهم سوى إلى القهر والاستبداد لدرء أي خطر يمكن أن يهدد مصالح الغرب، وعليه انتعش الفساد، بعدما أصبح المناخ مهيئا له ، وأصبح يتم ممارسته بشكل ممنهج ، والإيعاز بأنه في حال ترك المجال لتختار الشعوب من تريده، فإن كل هذه المصالح سواء للغرب في الخارج، أو للفاسدين في الداخل من تضخمت ثرواتهم ستصبح مهددة، وخاصة مع تولي التيار الإسلامي لمقاليد الأمور، وهم هنا لا ينقلون هذا التوصيف صراحة ، بقدر ما يعتبرونهم متطرفين أو ظلاميين ، أو غيرها من المصلحات، التي تروج لها المؤسسات الإعلامية والثقافية أو المنابر الإعلامية، التي يسيطر عليها المناوئون للإسلاميين.
ومع نجاح ثورتي تونس ومصر ، صار الحديث عن مخاوف هؤلاء من وصول الإسلاميين إلى السلطة من الواقع بمكان، بعدما أطلقوا العنان لمخاوفهم وتحذيراتهم بأن القوى السياسية ذات المرجعية الإسلامية على مداخل القصور الرئاسية ، وكأنهم أرادوا للشعب العربي أن يكون مستحقا عليه من وجهة نظرهم إما أن يكون أسيرا للأنظمة التسلطية مستبدة، أو خاضعا لاتجاهات علمانية بالية وليبرالية مهترئة ويسارية بائدة.
دعاة الحرية والتنوير لا يرون في بديلهم هذا خلاف، حتى لو كان ذلك مخالفا للديمقراطية التي يتشدقون بها، حيث يعلنون صراحة أن الأوضاع إذا ما صارت عليه الآن من استغلال لما هو قائم بإجراء الانتخابات البرلمانية ، فان بديل الأنظمة القمعية هم الإسلاميين، وذلك في مخالفة صريحة منهم لمبادئ حقوق التعبير التي ينادون بها، وفي غياب واضح لتداول السلطات التي يعملون على سيادتها.
على هذا النحو تسير لغة الخطاب بين دعاة الحرية ومروجي الاستنارة من طرفهم هم وفقط ، وكأنه محاولة لإقصاء الغير، إن لم يكن كذلك، بحيث لايؤتي بأي طرف يمكن أن يخالف العلمانية ودعاتها، لايرتضي عنها بديلا، ولايحيد عنها سبيلا، وكأنه صار على الجميع أن يسيروا في فلكها، يتبنون طرحها ، وأمثال هؤلاء صاروا يجعلون من أنفسهم أبواقا للأنظمة الديكتاتورية ذاتها، والتي كانت تصدر مثل هذه الفزاعات إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولذلك هال أمثال هؤلاء أي تواجد لقوى إسلامية أو سياسية بين المطالبين بالإصلاح، أو بين الثوار ، كما هو الحال في مصر وتونس. والأغرب أن هؤلاء صاروا يتحدثون عن نفس الفزاعة التي ظلت تتحدث عنها الأنظمة الديكتاتورية بأنه في حال وصول الإسلاميين إلى السلطة فان ذلك سيكون خطرا على الجميع، ويهدد وحدة والنسيج الاجتماعي والوطني.
بهذا الخطاب يقف أمثال هؤلاء في خندق واحد، للدرجة التي يعلنون فيها صراحة وقت أن تجرى الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية بدول مثل مصر وتونس ، فان الإسلاميين حتما سيحصدون السلطة، ويحققون حلمهم بحصد المقاعد البرلمانية، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذا الخطاب، فان التساؤل الذي يطرح نفسه. أليس الإسلاميون هم الذين ذاقوا مرارة حكم الاستبداد بالدول التي اندلعت بها الثورات أخيرا مثل مصر وتونس وليبيا، وجنوا مرارة السجون والاعتقالات والأحكام العسكرية المشددة، بالإضافة إلى القيود العديدة التي فرضت عليهم، وذلك على مدى عقود عدة، فيما لم يجن العلمانيون واليساريون سوى التقرب من الأنظمة الحاكمة ، وتولي الوظائف.
ليس هذا تشفيا فيمن أصبح خارج السلطة حاليا ، أو تسويقا لمن يشتاقون إلى المناصب، ولكنه تأصيل للواقع ، الذي يعكس أن كل من هم غير الإسلاميين كثيرا ما راهنوا على الأنظمة الاستبدادية والتقرب إلى الغرب، وفي المقابل كانت القوى الإسلامية والسياسية الجادة هى التي تدفع الضريبة غاليا، في الوقت الذي نجحت فيه الأنظمة القمعية باستمالة الليبراليين والعلمانيين، فضلا عن احتواء الأحزاب السياسية، وتحويلها إلى أحزاب كرتونية مستأنسة لقرارات الأجهزة المعنية.
كل هذا أدى إلى إضعاف مثل هذه الأحزاب ، وعزوفها عن المشاركة الجادة ، وهو ما شاركهم فيها أصحاب التيارات التي كانت مقربة أو تتقرب إلى السلطة ، لتصبح مشاركتهم جميعا مشاركة سلبية، ولم يكتفوا بذلك فقط، بل راحوا يخوضون حملة شعواء ضد كل من يحاول خوض المجال ، أو يقترب من ساحة البرلمان.
11/4/1432 هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.