الحروب الصليبية

الخميس، 3 نوفمبر 2011

الدعوة السلفية في مصر


تعود نشأة الدعوة السلفية في مصر إلى جماعة أنصار السنة المحمدية التي قد انشقت عن الجمعية الشرعية لاختلافها في وسائل الاعتقاد , وذلك أوائل الخمسينات من القرن المنصرم , وكانت جماعة أنصار السنة المحمدية قد تبنت الرؤية السلفية في التعبد والاعتقاد .

 
ولقد برز التيار السلفي في محيط جامعة القاهرة في هيئة جماعة طلابية كانت تُسمى بالجماعة الدينية تقوم ببعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية البسيطة , في محيط الطلاب , وكانت هذه الجمعيات قليلة العدد , ضعيفة الجهد , غير مؤثرة في النشاط العام للطلاب بشكل ملحوظ , وكان أساسها طالبًا أو طالبين متحمسين للإسلام , يقوم عليه أو عليهما العبء كله ... وظهرت هذه الجمعيات الدينية في أوائل السبعينات... منها : الجمعية الدينية بكلية الهندسة – جامعة القاهرة التي كانت رائدة في هذا الاتجاه... وفي طب قصر العيني عقد أول معسكر إسلامي للطلاب في صيف العام الدراسي70/1971م ... وفي العام التالي 71/1972م أقامت جامعة القاهرة أول معسكر إسلامي على مستوى الجامعة... وفي تلك الفترة أيضا أو بعدها بقليل بدأت الجامعات الأخرى في تنظيم مثل هذه المعسكرات , ونشير هنا إلى أن جامعة الإسكندرية كان لها دورها البارز في دعم وتقوية النشاط الإسلامي , وبلورة المفاهيم الصحيحة في عقول الطلاب.
والحقيقة أن التيار السلفي حتى أوائل السبعينيات لم تكن قد تبلورت رؤيته بعد تجاه الواقع والتيارات الإسلامية الأخرى ومن ثم لم يجد غضاضة في التعاون مع الإخوان المسلمين في محيط الجامعة والاشتراك في المعسكرات الشبابية التي كانوا يقيمونها ويحاضر فيها دعاتهم.
ولكن مع هذا كله , لا يمكنا أن نغفل الدور الرائد لحركة الإخوان المسلمين في صقل وتعميق مفاهيم الإسلام الصحيحة في نفوس قادة الجماعات الإسلامية وأفرادها , سواء عن طريق المحاضرات أو اللقاءات أو الكتب الإسلامية والسياسية التي ظهرت في النصف الثاني من السبعينيات وما تلاه ... بل إننا نقرر , ونحن مطمئنون أنه لم تكن هناك اختلافات أو فروق تذكر بين فهم وسلوك الجماعات الإسلامية , وبين الإخوان المسلمين , اللهم إلا فارق الخبرة وفهم طبيعة المجتمع , وهو ما استطاعت الجماعات الإسلامية استيعابه بعد ذلك .
والقول بأن الجماعات الإسلامية نشأت مستقلة الفهم والفكر والتصور عن غيرها , هو الذي يحتاج إلى دليل .
لكن بعد مضي فترة قصيرة لا تتجاوز العامين وبالتحديد في عام 1976 بدأ التيار السلفي يختلف مع الإخوان ومع تيار الجهاد الذي برز في حادثة الفنية العسكرية في تلك الفترة  وبدأ التيار السلفي يستقل في نشاطه ويصدر العديد من البيانات والكتب المعبرة عنه.(1)
يقول الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في مذكراته :
" حين أخذنا-  أنا وبعض قادة الجماعة قرار الانضمام للإخوان – كنا نتوقع أن الصف الثاني من بعض قيادات الجماعة الإسلامية سوف يعارض ما تم الاتفاق عليه بيننا وبين الإخوان، وكانت المعارضة تتمثل فيمن غلبت عليهم الرؤية السلفية مثل الإخوة:  أسامة عبد العظيم  في القاهرة وأحمد فريد ومحمد إسماعيل  في الإسكندرية، أو من غلبت عليه الروح الجهادية مثل الإخوة: كرم زهدي وناجح إبراهيم في الصعيد، ولذلك قررنا أن نؤخر إعلام هؤلاء الإخوة بما تم الاتفاق عليه مع الإخوة.
ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد كان الأخ خالد داوود – أحد قادة الجماعة الإسلامية البارزين في الإسكندرية-  يجلس ذات مرة مع الأخ أسامة عبد العظيم وتطرق الحديث إلى الجماعة والإخوان فزل لسانه وأخبره أن قيادات الجماعة الإسلامية قد أنهت القضية وبايعت قادة الإخوان!.  فوجئ أسامة بهذا الكلام، وخرج الأمر منه إلى الآخرين، فاندلعت ثورة  من التساؤلات والاستنكارات، خاصة من الجناح السلفي والجناح الجهادي.
أخذنا نفكر في كيفية الخروج من هذا المأزق فقررنا أن نصارحهم بما حدث فعلا، وأننا بايعنا الإخوان وأصبحنا منهم بالفعل، وكانت رؤيتنا أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم .
جرى هذا في الفترة ما بين عامي 1979  و1980، وعلى إثر ذلك ظهرت مجموعة السلفيين أو تيار السلفية العلمية في الإسكندرية، ويمثله الإخوة محمد إسماعيل وأحمد فريد ومعهم أسامة عبد العظيم في القاهرة وعبد الله سعد الذي كان نشطًا جدًا في جامعة الأزهر ، كما ظهرت مجموعة الجهاديين الذين أسسوا تيار العنف في المنيا وأسيوط وعلى رأسهم كرم زهدي وأسامة حافظ وناجح إبراهيم وعاصم عبد الماجد وعصام دربالة …
أخذت الأمور تستقر تدريجيًا وانحصر نقد الإخوة في التيار السلفي لنا كإخوان في دروس ومحاضرات تتهمنا بأننا أصحاب بدع وتحلل من الدين، أما مجموعة الصعيد فقد صرنا في نظرهم مهادنين متخاذلين آثرنا العافية بدلا من مقارعة النظام، وكنّا في البداية نرد عليهم بأن اختيارنا هذا نوع من الإعداد والتمهل وعدم التسرع في الأخذ بالأسباب.
وتدريجيًا بدأ التمايز بين هذه المجموعات الثلاث وفقدنا السيطرة على الطرفين الآخرين: السلفية والجهادية، وكان الأشد خطرًا مجموعة الجهاديين الذين بدأوا يمارسون العنف بشكل بارز، مثل بعض العمليات التي قاموا بها عام 1981  من تكسير بعض الكازينوهات، وضرب البنات المتبرجات على كورنيش النيل في المنيا، الهجوم على الطلاب الأقباط واحتجازهم في المدينة الجامعية في أسيوط.
واستمر الحال على هذا حتى وقعت واقعة اغتيال السادات، فالتقينا ثانية ولكن في السجون تحت سياط التعذيب!
وحول وقائع صدامهم مع الإخوان يقول الدكتور ياسر برهامي أحد أبرز دعاة السلفية في مصر:
 في السنة الرابعة كان الأخ عماد عبد الغفور اقترح أن نعمل عملا سلفيًا في الجامعة، فوافقت واتفقت أن نكون مشتركين معًا في هذا العمل، فبدأ العمل وبدأ الصدام مع الإخوان المسلمين الذين كانوا يعملون باسم الجماعة الإسلامية، كان هذا في سنة 1980، وهي السنة التي حدثت أحداث كلية الطب فيها، هذه الأحداث كنا نوزع أوراقًا ونعمل محاضرات في ساحة الكلية ونسميها ندوة، ونتكلم فيها عن قضية التوحيد وقضايا الإيمان باليوم الآخر ويتكلم فيها الإخوة، فخطط الإخوان لمنع هذا اللقاء، ومنع خروج الناس والمشاركة، وحصل صدام بين بعض الإخوة وبعضهم، وساعتها حدث نوع من التخبط في المواقف، لأنهم كانوا مرتبين أمورهم جيدًا ونحن فاجأنا مثل هذا الموقف، بعض الإخوة طالب بالانسحاب، وبعضهم طالب بالرد بعنف، وظهر ارتباك شديد جدا في صفوفنا أمام الناس..
وساعتها التقى الإخوة مع بعضهم واتفقوا أنه لا بُدَّ أن يتم العمل بطريقة مرتبة بينهم وبين بعض، ما يشبه باتحاد الدعاة بين الإخوة الذين يعرفون الآن بشيوخ الدعوة السلفية أو رموزها، وتم الاتفاق على أن الشيخ أبو إدريس هو قيِّم المدرسة السلفية، وتواجد العمل في المساجد بالإضافة إلى العمل في الجامعة، وحدثت احتكاكات أقل بعد ذلك لكن بقيت مستمرة.
ولقد تلاحقت الأحداث فدخل عدد من الإخوة السجن ضمن أحداث سبتمبر1980 التي دخل فيها رموز من مختلف الحركات الإسلامية منهم الشيخ أحمد حطيبة من السلفيين، كما اعتقل الشيخ محمد إسماعيل بعد ذلك، كما اعتقل الشيخ أحمد فريد بسبب رفض حلق اللحية في الجيش، ولم يبق في الخارج إلا الشيخ سعيد عبد العظيم والشيخ أبو إدريس وأنا فتعاونا في أمر الدعوة بفضل الله عز وجل إلى أن خرج الإخوة المحبوسين.
ظلت الدعوة السلفية وكذلك الإخوان متأثرين بهذه الأحداث حتى منَّ الله علينا في عام 84 وبدأنا العمل حتى قبل الإخوان، واستأنفنا النشاط في الجامعة وكونَّا أربع أُسر في كليات الزراعة والتربية والهندسة والطب، وكتبنا عددًا من الرسائل تم توزيعها من خلال هذه الأُسر جمعتها فيما بعد في كتاب "معًا على طريق الجنة"، وكان قد سبق خروج "معًا على طريق الجنة" كتاب "فضل الغني الحميد" الذي أعددته في أول الأمر كمذكرة تشمل اختصارا لكتاب التوحيد لتدريسه للإخوة، وكان هذا في عام 1980 قبل الأحداث التي أشرت إليها.اهـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.