الحروب الصليبية

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

سلفيات ... لا سلفية واحدة



المتأمل في شأن الحركة السلفية في العصر الحديث , يمكن أن يتبين له سلفيات كُثر لا سلفية واحدة كما كان العهد في القرن الماضي .
ويمكن تقسيم هذه السلفيات إلى أربع سلفيات :
1-    السلفية التقليدية
2-    السلفية العلمية
3-    السلفية الحركية
4-    السلفية الحديثية ( أهل الحديث )
وهذا بيان لتلك السلفيات , مع إبراز أهم ملامحها الفكرية , وأبرز من يمثلها من دعاة ومشايخ وطلبة علم .



أولا : السلفية التقليدية

هذا التيار برز بشكله الحالي في منتصف السبعينات من القرن الماضي, و أتباع هذا الفصيل يطلقون على أنفسهم السلفيين, و هم لا تجمعهم منظمة محددة لكنهم يلتفون حول عدد من المشايخ و يتتلمذون عليهم و يمثل الشيخ منفردا هو و مجموعة تلاميذه كيانا مستقلا عن بقية المشايخ و تلاميذهم, و يتفاوت عدد التلاميذ من شيخ لآخر حسب نجاح الشيخ و شهرته في مجال الدعوة فهناك شيخ عدد اتباعه يقدر بعشرات الآلاف و هناك شيخ عدد أتباعه يقدر بالعشرات فقط, و أشهر مشايخ هذا التيار و أكثرهم شعبية الدكتور أسامة عبدالعظيم أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر و الذي يزعم البعض أن أتباعه أكثر من مائة و خمسين ألف منتشرين في معظم محافظات مصر, و هو رقم كبير إذ قارناه بحجم مجموع أعضاء العديد من الأحزاب السياسية في مصر فيما عدا الحزب الحاكم و تزداد أهمية هذا العدد من الأتباع إذا علمنا أن كل هذا العدد هم من النشطاء و ليسوا مجرد مستمعين لشيخ, و يعتبر الشيخ محمد مصطفى الدبيسي بمثابة نائب للدكتور أسامة عبدالعظيم و هو أهم مساعديه منذ نشأة هذا الفصيل, رغم أن هذا الفصيل لم يعلن عن هيكل تنظيمي محدد المعالم حتى الآن.
و هذا الفصيل عادة لا يشتغل بالسياسة ولا يتكلم فيها علنا و لا يتخذ مواقف سياسية علنية لكنهم قد يضطرون للكلام في السياسة تحت ضغوط أتباعهم المقربين جدا و يكون ذلك في جلسات سرية لخواص الأتباع و يقتصر كلامهم السياسي على شرح تصوراتهم للواقع السياسي و مشكلاته, و يعتبرون هذا الكلام من الأسرار التي يكون من المحظور علي الجميع إذاعتها خارج نطاق الذين حضروا هذه الجلسات السرية.
و تتلخص رؤية هذا الفصيل للتغيير السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي في تفسيرهم الخاص لقوله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فهم يرون أن الأية تشير إلى أن تغيير واقع الأمة الإسلامية إلى الأفضل لن يتم إلا عندما يغير كل مسلم نفسه وفق معايير الإسلام فيلتزم بتعاليمه و يؤثر في من حوله من أهله و جيرانه و زملاء عمله فيغيروا هم أيضا أنفسهم بنفس الطريقة و بذا ينصلح حال الأمة من وجهة نظرهم, و من أهم معايير الإسلام التي يسعون لتطبيقها في الواقع تنقية الدين مما يرونه من البدع خاصة المرتبطة بالتصوف و الأضرحة و كذلك منع المسلمين من الإفتتان بالحضارة الغربية و مرتكزاتها الفكرية المخالفة للإسلام, و وسيلة التغييرعندهم تنحصر في الدعوة عبر خطب الجمعة و الدروس الدينية في المساجد بالإضافة إلى الدعوة الفردية و طبعا دخلت على الخط القنوات الفضائية و مواقع شبكة الإنترنت, و كان هذا الفصيل يقوم بدعوة الناس في الشوارع للصلاة في المسجد و الإستماع لدروس المشايخ (عندما كانت أجهزة الأمن تغض الطرف عن هذا في فترة السبعينات من القرن الماضي) لكنها توقفت عن هذا النشاط في الثمانينات من القرن الماضي تحت ضغط الأمن.
و تفيد بعض المعلومات الموثوقة المتسربة عن قيادة هذا التيار أن أكثرهم لا يمانع من المشاركة في التصويت في الانتخابات النيابية و غيرها من انواع الانتخابات لدعم محاولات الاصلاح و هم في ذلك يتفقون مع منهج الاخوان المسلمين.
ثانيا : السلفية العلمية

في منتصف السبعينات أنشأ مجموعة من قادة الحركة الطلابية الإسلامية في عدد من جامعات مصر تيارالسلفية العلمية لكن كان ثقلها الرئيسي في جامعة الإسكندرية حيث قادها من هناك و إلى جميع أنحاء مصر محمد إسماعيل المقدم و سعيد عبد العظيم و أبو إدريس و أحمد فريد و غيرهم و كان من أبرز قادتها في القاهرة حينئذ عبدالفتاح الزيني, و قد رفضوا الإنضمام للإخوان المسلمين عام 1978م و سموا أنفسهم المدرسة السلفية و رفضوا لفظ الأمير لإعتبارهم أنه يقتصرعلى إمارة الدولة و لكن أطلقوا على قائدهم أبي إدريس لقب "اسم قيم المدرسة السلفية" أسوة بالمدارس العلمية التي كانت قائمة في عصور الإزدهار في التاريخ الإسلامي, و احتدم التنافس بين "المدرسة السلفية" و الإخوان على ضم الشباب و السيطرة على المساجد, و عندما أصدرت المدرسة السلفية نهاية عام 1979م سلسلة كتب دورية باسم "السلفيون يتحدثون" تندر عليهم بعض الإخوان بقولهم السلفيون يتحدثون و الإخوان يجاهدون و كان الجهاد الأفغاني قد اندلع لتوه ضد السوفيت و كان الشائع حينئذ أن المجاهدين الأفغان هم من الإخوان المسلمين.
و ظلت السلفية العلمية تطلق على نفسها اسم "المدرسة السلفية" لعدة سنوات لكنها سعيا لتطوير حركتها و اعطاءها مزيد من الحركية زاد اهتمامهم بالعمل الجماهيري و أطلقوا على منظمتهم اسم "الدعوة السلفية" و بذلك اصبح اسم "المدرسة السلفية" مجرد تاريخ.
و"الدعوة السلفية" منتشرة في كل أنحاء مصر و لها أتباع كثيرون يقدرون بمئات الألوف و يطلق عليهم اختصارا اسم "السلفيين" لكنهم ليسوا تنظيما هرميا متماسك مثل الإخوان المسلمين بل يغلب عليهم التفرق لمجموعات يتبع كل منها شيخ من المشايخ لكن مشايخها متعاونون بدرجة كبيرة جدا, ومن مشايخها المشهورين غير الذين ذكرناهم محمد حسان و أبو ذر القلموني صاحب كتاب "ففروا إلى الله" و محمد حسين يعقوب و سيد حسين العفاني و ياسر برهامي و غيرهم كثير جدا لكننا ذكرنا أشهرهم.
كما أن "الدعوة السلفية" مثلها مثل بقية تيارات الحركة الإسلامية الحديثة ترى وجوب رجوع المسلمين إلى الإلتزام بتعاليم الإسلام وفقا لمنهج السلف الصالح لكنهم أكثر حرفية و التزاما بذلك و اقل اجتهادا و تجديدا فيه, و يفرق بينهم و بين الإخوان المسلمين رفضهم للتصوف و آراء الأشاعرة و المعتزلة و الشيعة التي ترك الإمام حسن البنا الباب مواربا لها بهدف لم شمل المسلمين, كما يفرقهم عنهم أيضا رفض "الدعوة السلفية" للعمل الحزبي و الدخول في إنتخابات مجلسي الشعب و الشورى(1), كما يفرقهم عن الجهاد و القاعدة رفضهم للعمل المسلح و التنظيمات السرية.
و أبرز استراتيجية معلنة لـ"الدعوة السلفية" و أدقها هي التي طرحها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (رحمه الله) في عدد من محاضراته و كتبه و تتلخص في أن ما لحق بالمسلمين من تدهور حضاري سببه الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و الإسرائيليات و الأراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح و بالتالي فالتغيير الإسلامي (حسب رأي الألباني) لابد من أن يمر بالمراحل التالية:
أولا- التصفية: و هي أن يقوم علماء المسلمين بتنقية الكتب الشرعية كلها من الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و الإسرائيليات و الأراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح .
ثانيا- التربية: حيث يتم دعوة و تربية أغلبية المسلمين على هذه الكتب الصافية من أي أخطاء.

ثالثا- المفاصلة: حيث يعلن المؤمنون انفصالهم عن الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله و يعلنون أن هؤلاء الحكام على باطل و ينذرون الحكام و اعوانهم بالرجوع عن باطلهم و إلا سيواجهون جهادا إسلاميا من أهل الحق و يطالب كل المسلمين بتحديد موقفهم بشكل واضح إما مع أهل الحق و إما مع أهل الحكم و هنا حكمهم هو حكم أهل الباطل.
رابعا- الجهاد: و هو في حالة ما إذا رفض الحكام الإلتزام بالإسلام بعد الإنذار السابق فحينئذ يجاهدهم أهل الحق لأن الصفوف في هذه الحالة ستكون قد تمايزت فصار بعض الشعب مع الحق و بعضه مع الباطل و هنا سيكون الفريقان المتصارعان واضحين لا بس فيهما, فلا يقع ضحايا لا علاقة لهم بالصراع بل يكون أى إنسان إما مع هذا الفريق أو ذاك.
و قد قيل للشيخ الألباني و هل تنتظر أن يتركنا الحكام عندما ننذرهم و نتحرك في المجتمع لإستقطاب تأييد الناس؟؟ يا شيخ إنهم لن يتركوننا بل سيبادروننا بالقتال!!!
فرد عليهم الألباني: يا إخواني بس شدوا حيلكم في تحقيق الكتب و نشر الدعوة الإسلامية بين أغلبية الشعب و عندما نصل للمفاصلة لن نختلف بشأن تحديد وقت الجهاد إن شاء الله.
و الشيخ الألباني هو سوري من أصل ألباني و هو من أكبر علماء الحديث النبوي الشريف في عالمنا المعاصر, و قد تتلمذ عليه و على يد بعض تلاميذه عدد من كبار مشايخ الدعوة السلفية في مصر, و قد توفي في مطلع القرن الواحد و العشرين.
و رغم أن "الدعوة السلفية" تتبنى استراتيجية الألباني هذه بشكل صريح تارة و بشكل ضمني تارة أخرى لكنها لم تضع تكتيكات محددة و متكاملة لتنفيذها, كما لم يتبع السلفيون أي خطط أو أساليب موضوعية محددة لتنفيذ هذه الإستراتيجية عمليا.


ثالثاً : السلفية الحركية

في نفس الوقت الذي نشأت فيه السلفية العلمية (منتصف السبعينات من القرن العشرين الميلادي) نشأ في حي شبرا بالقاهرة رافد أخر من روافد السلفية بقيادة عدد من الدعاة الشباب حينذاك و كان أبرزهم في ذلك الوقت الدكتور سيد العربي و الدكتور محمد عبد المقصود و الشيخ نشأت ابراهيم ولم يختلف هذا الرافد السلفي عن السلفية العلمية إلا في شئ واحد و هو الاعلان عن كفر الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة الاسلامية باسمه أيا كان اسمه, و قد انتشر هذا التيار مع الوقت و صار له أنصار و أتباع يقدرون بعشرات الآلاف لا سيما بعدما برزت شعبية بعض الدعاة الاسلاميين من هذا التيار مثل الداعية ذائع الصيت فوزي السعيد, و قد أطلق بعض أتباع هذا التيار على أنفسهم اسم السلفية الحركية, و لكن المشايخ الكبار من هذا التيار لا يطلقون على أنفسهم أي اسم.
و قد تعرض هذا التيار لحصار أمني شديد منذ عام 2001م بسبب قيام عدد من رموزه بالافتاء لعدد من الشباب بجواز جمع التبرعات و تهريبها إلى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة, و جواز الانتقال لهذه الأراضي للمشاركة في المقاومة المسلحة هناك, و على إثر ذلك قام هؤلاء الشباب بجمع عدة ملايين من الجنيهات كتبرعات و هربوها لغزة كما حاولوا التدرب على السلاح بهدف الانتقال لغزة عبر سيناء للمشاركة في أعمال المقاومة المسلحة, و قد تم إعتقالهم جميعا كما إعتقل معهم إثنان من أبرز رموز هذا التيار و هما الشيخ نشأت ابراهيم و الشيخ فوزي السعيد, و تم تقديمهم جميعا إلى محاكمة عسكرية بالقاهرة, و صدرت ضدهم أحكام متفاوتة لكن المحكمة برأت ساحة كل من الشيخين نشأت ابراهيم و فوزي السعيد, و تم الافراج عنهما بعد عدة سنوات من الاعتقال.
و لكن مازال رموز هذا التيار و دعاته ممنوعون من التعبير عن آرائهم في أي مكان سواء مساجد أو صحف أو فضائيات أو حتى في جلسات خاصة(2), و قد تجرأ الشيخ نشأت ابراهيم و ألقى موعظة دينية في مناسبة عزاء في فيلا أحد أقرباء المتوفى و ذلك تحت إلحاح أهل المتوفى فتم اعتقاله في نفس الليلة عام 2007م و ظل بالسجن عدة شهور قبل أن يفرج عنه بعد أخذ التعهدات عليه بعدم الكلام مرة أخرى في أي مكان. و يبدو أن التشدد الأمني مع هذا التيار يأتي من مجاهرة هذا التيار بمعارضة الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة تصريحا في خطابهم الدعوي و تصريحهم بكفره, هذا رغم موقفهم الواضح برفض العمل المسلح أو إنشاء منظمات اسلامية سرية.
رابعًا : سلفية أهل الحديث

 وهم الذين يعتنون بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام رواية ودراية، باذلين جهدهم على مدارسة أحاديث النبي وروايتها وإتباع ما فيها علماً وعملاً، ملتزمين بالسنة مجانبين للبدعة، متميزين عن أهل الأهواء الذين يقدمون مقالات أهل الضلالة على أحاديث النبي محمد.
ظهر هذا الاتجاه – وإن كان في أصله تابع للسلفية العلمية – في أوائل الثمانينات ,فانجرف بعض السلفيين نحو دراسة المصطلح وعلم العلل ومعرفة الصحيح من الضعيف , بالاضافة لإلقاء الخطب والدروس الوعظية والعلمية للعامة وللخاصة , ونذكر من هؤلاء :
أبي إسحاق الحويني , مصطفى العدوي , أسامة القوصي , محمد  سعيد رسلان .


(1) هذا الكلام قبل أحداث ثورة 25 يناير , ولنا كتاب ( الدولة السلفية ) نبين فيه التحولات السياسية والفكرية عند هذا الفصيل السلفي . يسر الله إكماله وصدوره قريبا .
(2) وقد اختلف الوضع الآن بعد ثورة يناير , فظهرالشيخ محمد عبد المقصود , والشيخ نشأت وكذا سيد العربي وفوزي السعد . بل إن لبعضهم الآن برنامجًا ثابتًا في القنوات الإسلامية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.