الحروب الصليبية

الجمعة، 5 أغسطس 2011

مقابلة جريدة المدينة مع الشريف إبراهيم الهاشمي الأمير حول المخطوطات وتحقيقاتها وحول المكتبات وغيرها


الأربعاء 03/08/2011
محمّد الهلالي - جدة / تصوير: محمّد الحربي


يعد الباحث والمحقق إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير أحد الذين أوقفوا حياتهم على
تحقيق الكتب ونشرها؛ إذ له من المصنفات الكثير منها المطبوع والمعد للطبع، حيث قدم

للمكتبة «تحقيق منية الطالب في معرفة الأشراف الهواشم الأمراء بني الحسن بن علي بن
أبي طالب»، و«رأي القاضي المؤرخ الأديب ابن خلكان في مصنفات الأعيان»، و«الإشراف
على المعتنين بتدوين أنساب الأشراف»، وغيرها من الكتب الأخرى، ومن مؤلفاته المصفوفة
«الأنساب المستخرجة من كتاب وفيات الأعيان»، و«إتحاف النبلاء بتاريخ ونسب الأشراف
الهواشم الأمراء»، «المصنفات التي تكلم عليها الحافظ ابن رجب الحنبلي»، وغير ذلك
مما ألفه ونشره من الكتب القيمة.. «الأربعاء» زار الهاشمي في مكتبته الضخمة، واطلع
على جهوده في البحث، وقراءته لواقع البحث العلمي والمشكلات التي تعترضه في سياق هذا
الحوار..



فنون عديدة
* تملك مكتبة ضخمة.. فكيف أنشأتها وما أبرز محتوياتها؟
- أنشأت مكتبتي قبل ثلاث وعشرين سنة؛ أي في السنة التي تزوجت فيها أم أبنائي أم هاشم - حفظها الله- والتي كان لها أثر وما زال في حياتي؛ فقد كنا نتدارس العلم سويًا ونذهب لدروس العلماء؛ ومن هنا نشأت مكتبتي وولعي بالكتب، فاشتريت رفًا لما اقتنيته من كتب، وفي كل شهر أشتري كتبًا أخرى، وهكذا توسعت حتى امتلأت صالة الطعام بالكتب، وكنت في ذاك الوقت اقرأ في اليوم ثلاثمائة صفحة. ثم ضاقت علي المكتبة فطلبت من زوجتي المباركة على استحياء بأن تعطيني جزءًا من مجلس النساء، فسمحت لي بعد إلحاح بدولاب واحد، ثم أصبح بعد ذلك عشرة، وهكذا حتى استوليت على جُل المجلس. وبعد سنين.. ازداد ولعي بالكتب والمخطوطات، فسافرت لأجلها جُل البلدان العربية، أزور مكتباتها مكتبة مكتبة لاقتناء نفيسها، ثم عدلت عن زيارة المكتبات للمشقة، وأصبحت أتتبع معارض الكتب في كل دولة واقتني كل جديد وقديم، وقد تجد في مكتبتي من الكتاب الواحد عدة طبعات وذلك لاختلاف المحققين. بعد ذلك انتقلت لمنزلي الجديد وصممت لمكتبتي صالتين كبيرتين أودعت فيهما كل كتبي، وصالتين أخريين في الطابق العلوي للمخطوطات وكتب النسب والمشجرات القديمة ومؤلفاتي المطبوعة؛ وها هي ذي مكتبتي أمام عينيك تضم الآلاف من الكتب في مختلف الفنون، فهي تضم جُل الفنون والعلوم ومنها: كتب الأدب، والفقه، والحديث، والتراجم، والأنساب، واللغة، والجغرافيا، والتواريخ، كتاريخ العراق، والشام، والمغرب وبخاصة الأندلس، ومصر، واليمن، والأتراك، ونيسابور، وأصبهان، وتاريخ مكة الذي جمعت فيها كل كتاب ورسالة عن مكة. وتحتل كتب التراجم في مكتبتي الحيز الأكبر أيضًا إذ تحتوي على تراجم العلماء والأعلام لكل البلدان، وقد صنفت كتب التراجم على حسب البلدان؛ وتجد في مكتبتي تراجم علماء المذاهب الأربعة وغيرهم كالمعتزلة والإباضية والرافضة والزيدية؛ وكذلك تجد فيها تراجم الأدباء والنحويين واللغويين؛ وكذلك كتب النسب لكل القبائل العربية وبخاصة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وتحتل كتب تراجم رجال الحديث والجرح والتعديل حيزًا كبيرًا في مكتبتي؛ سافرت لجمع هذه الكتب لبلدان عربية وغربية كثيرة، بل واشتريت بعضها بأغلى الأثمان.
لا إهداء
* درج بعض الأدباء والمثقفين على إهداء مكتباتهم إلى بعض الجهات كمكتبات الجامعات.. فهل في نيتك أن تحذو حذوهم مستقبلًا؟
- لا أفكر في إهداء مكتبتي للمراكز البحثية أو الجامعات السعودية، لأنها غنية عن مثل مكتباتنا الخاصة، فتحت يد هذه المراكز والجامعات ميزانيات ضخمة لشراء الكتب، ولدى الكثير منها رصيد وافر من مختلف المصادر والمراجع، إنما سأترك مكتبتي لأبنائي إذا رأيت فيهم حب اقتنائها والإفادة منها، وإلا فسأهديها لمكتبات الدول الفقيرة.
أخطاء المحققين
* بوصفك ناشطًا في مجال تحقيق الكتب.. ما أبرز الأخطاء التي يقع فيها؟
- تحقيق تراث أهل العلم فنٌ دقيق وشاق، لا يحسنه كل أحد، وقد ولج هذا المضمار أناس كثر فيهم المحسن ومنهم المسيء، ومن أخطاء المحققين: قراءة النص قراءة خاطئة، ويترتب عليها الإخلال بضبط النص كما أراد المؤلف، والتصرف في النص حذفًا أو إضافة بغير موجب علمي، وبلا تنبيه، وإغفال الإشارة إلى بعض الكلمات غير الواضحة، إما بسبب رداءة الخط، أو لطمس، أو تعرض المخطوط لخروم أو رطوبة، والتسرع في تخطئة صاحب الكتاب، وتكرار الجهود في تحقيق الكتاب الواحد المحقق قديمًا تحقيقًا علميًا، والتسرع في طباعة المخطوط دون استيفاء ما يلزم في خدمته الخدمة اللائقة، والتي أهمها ضبط نصوصه ضبطًا صحيحًا.
تفاوت واختلاف
* لم نرَ أحيانًا أن هناك تفاوتًا واختلافًا بين المحققين لكتاب واحد؟
- الاختلاف بين المحققين في الكتاب الواحد واقع فعلًا وأسبابه كثيرة، من أهمها تفاوت خبرة المحققين في ممارسة التحقيق، فهناك المتقن المخضرم في قراءة المخطوط قراءة صحيحة، وعلى دراية بخطوط النساخ والعلماء، فيضبط نصوصه ضبطًا صحيحًا متقنًا، ويخدم الكتاب، فيخرج آثاره، وحكايته، ويضع له الفهارس العلمية اللازمة، كالعلامة أحمد شاكر - رحمه الله-، والعلامة محمد أبو الفضل إبراهيم - رحمه الله-، والعلامة عبدالسلام هارون - رحمه الله- والعلامة الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين- عافاه الله-، والدكتور عامر حسن صبري، والعلامة نظام يعقوبي العباسي البحريني الذي استفاد منه مئات الطلاب في قراءة المخطوطات العسرة، وفك بعض الإشكالات في خطها وسمعاتها، وقد تشرفت بقراءة مخطوطتين عليه في صحن المسجد الحرام ورأيت عشرات من أهل العلم يقرءون عليه، ويصحح لهم ما أشكل عليهم في قراءة المخطوط، بل إنني أعد الشيخ نظام - حفظه الله- من الخبراء المتقنين القلائل في هذا العصر بالمخطوطات، ومبدع في هذا الفن؛ ومن المحققين الكبار الدكتور بشار عواد معروف. ومن مخطوطات تراثنا الإسلامي النفيس ما يحتاج للجنة علمية في تخصصات عديدة لضبط نصوصها. وهناك مبتدئ وناشئ في التحقيق، أو متساهل في قراءة وضبط نصوص الكتاب وخدمته متسرع في إخراجه كحال كثير من تجار الكتب، ولذلك تجد التفاوت بين المخضرم الخبير في هذا الفن، والآخر في ضبط النص وتخريجه، فالمخضرم يضبط النص ضبطًا صحيحًا، ويخرج آثاره وحكايته، ويبين الفروق التي بين النسخ ويرجح الأصوب، ويشرح الغريب من ألفاظه، ويعرف بالأعلام، والأماكن، ويستدرك على المؤلف، بإتقان وبراعة، والآخر يتساهل في هذه الأمور، لجهله وقلة خبرته، أو للعجلة والتسرع في النشر كحال تجار الكتب للأسف. ومن الأخطاء أيضًا أن يكون المحقق الأول حقق الكتاب على نسخة واحدة بالرغم من وجود نسخ أخرى خطية للكتاب، وذلك إما تقصير منه في جمع النسخ والقيام بما يجب في صنعة التحقيق، أو عدم علمه بالنسخ الأخرى واعتقاده بأن النسخة الواحدة كافية لإخراج هذا الكتاب، وهذا في الحقيقة عيب في التحقيق، لأن النسخة الواحدة قد يعتريها شيء من التصحيف أو السقط أو الخروم وغير ذلك؛ فجمع النسخ الأخرى يجبر السقط ويصحح التصحيف، بل إن من فوائد جمع النسخ الخطية الأخرى معرفة النسخة التي بخط مؤلف الكتاب، لأن نسخة المؤلف تقدم على غيرها، وكذلك يعرف من خلال جمع النسخ الأقدم نسخًا والأتقن وتصبح هي النسخة المعتمدة والباقي مكمل لها. ويضاف إلى ما سبق تصحيح الأخطاء؛ فالمفترض أن المحقق المتأخر يكون عمله أتقن ممن قبله بالنظر لما قد يتوفر له من إمكانيات علمية ومعرفية، ونسخ ومصادر أخرى تساعده في ضبط النص بدقة. والتفاوت بين المحققين قد يكون سببه المال، فهذا يحقق الكتاب للاسترزاق، والآخر يحققه لإفادة الناس، وقد يسترزق الآخر من هذا التحقيق لكن الأصل عنده إفادة الناس وبذل الجهد في الحفاظ على نص المؤلف.
مؤلفات عديدة
* ما جديدك في مجال التأليف والتحقيق؟
- جديد في التأليف والتحقيق - والحمد لله- ما يلي: كتاب «رأي القاضي المؤرخ الأديب ابن خلكان في مصنفات الأعيان»، وكتاب «البديع في أخبار الأشراف النعميين آل عيشان أحفاد الشفيع»، وكتاب «إتحاف الأمة بصحة قرشية الإمام الشافعي فقيه الأمة، وتحقيق نسب أمه الأزدية لا الهاشمية، مع لمحات من سيرته العطرة، والمصنفات التي أفردت في مناقبه وأخباره»، وكتاب «الإشراف على المعتنين بتدوين أنساب الأشراف»، ورسالة «عناية الحافظ تقي الدين الفاسي بأنساب الحسنيين من أشراف الحجاز»، ورسالة «عناية أشراف الحجاز بأنسابهم والمصنفات التي أعتنت بتدوينها»، و«معجم شيوخ الحافظ أبي بكر الآجري»، ورسالة «عناية الأوئل من علماء الإسلام بتصحيح الكتب وضبط نصوصها» تحت الطبع. أما التحقيق، فقمنا بتحقيق كتاب «من جهود العلامة الألباني في نصح جماعة التكفير»، و«الدر النفيس في بيان نسب إمام الأئمة محمد بن إدريس الشافعي» للحموي، و«الجزء فيه ثمانون حديثًا عن ثمانين شيخًا» للآجري، و«جزء فيه حكايات عن الشافعي وغيره» للآجري.
أبرز المخطوطات
* ما أبرز المخطوطات التي تم تحقيقها ونشرها؟
- أبرز المخطوطات التي تم تحقيقها كثيرة، منها: إكمال إخراج كتاب «تاريخ الإسلام» للذهبي في سبعة عشر مجلدًا بتحقيق الدكتور بشار عواد، و«مسند الإمام أحمد» في خمسين مجلدًا بتحقيق شعيب الأرنؤوط وهي من أفضل النسخ المحققة للمسند، و«سلسلة السؤالات الحديثية» في تسعة عشر مجلدًا، ورسالة «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» لابن الملقن في ستة وعشرين مجلدًا، و«نوادر الأصول» للحكيم الترمذي النسخة المسندة، و«الجامع لشعب الإيمان» للبيهقي في خمسة عشر مجلدًا، و«محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء» في خمسة مجلدات، و«أنساب الأشراف» للبلاذري في تسعة مجلدات بتحقيق المعهد الألماني، وغيرها كثير.
نصح جماعة التكفير
* وماذا عن كتابك «نصح جماعة التكفير»؟
- هذا الكتاب أصله لقاء أجريته مع العلامة الألباني - رحمه الله- عندما رأيت بعض الاخوة العائدين من الجهاد الأفغاني معتنقي الفكر التكفيري، ولا يعتبرون بكلام علمائنا، إذ يرونهم علماء سلطان مداهنين؛ وهذا الاعتقاد في العلماء غرسه وروجه الحزبيون والغلاة، كقادة جماعة التكفير بين الشباب وممن تأثر بفكرهم، وذلك لإسقاط مصداقية العلماء الراسخين في العلم، والانفراد بالزعامة في الفتيا في المسائل العظيمة كالجهاد والخروج على الحكام؛ فبسقوط مصداقية كبار العلماء من أعين الناس تخلو الساحة للغلاة والثوريين كقادة جماعات التكفير، ويصبحوا هم المرجعية في إباحة الدماء والخروج على الحكام والقيام بكل الأعمال الإرهابية المنكرة، وهذا ما وقع فعلًا. والحقيقة أن ادعاء الغلاة كقادة جماعات التكفير بأن علماءنا الكبار كشيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز، والعلامة ابن عثيمين - رحمهما الله- وغيرهم بأنهم علماء سلطان ومداهنين ظلم وجور، بل كانوا رحمهم الله من الربانيين الأتقياء الناصحين للأمة والسلطان. ولخطر فكر الغلاة وجماعات التكفير وما يروجونه من شبه قد تنطلي على الشبيبة الأغرار، ولأن العلامة الألباني - رحمه الله- له مكانة كبيرة حتى عند بعض الغلاة والمنتمين لفكر جماعة التكفير، وجهت أسئلتي له مستعرضًا بعض شبههم التي أضلت كثيرًا من شباب الإسلام وهوت بهم في حمى الغلو والتكفير والخروج على حكام المسلمين، خصوصًا أن العلامة الألباني - رحمه الله- ليست له علاقة بالسلاطين، ولكونه من أبصر الناس بفكر وعقائد الجماعات والفرق الإسلامية المتقدمة والمعاصرة؛ بل للعلامة الألباني - رحمه الله- مع هذه الجماعات المعتنقة لفكر التكفير مناظرات مكتوبة ومسموعة، وله جهود دعوية ومساهمات كبرى في إرجاع كثير من المعتنقين لفكر التكفير في بعض البلدان إلى جادة الصواب وإبعادهم عن هذا الفكر المنحرف.
غلو وتطرف
* من واقع اهتمامك بهذه القضية.. إلى أي سبب ترجع شيوع الفكر التكفيري؟
- ظهرت في الآونة الأخيرة العديد من الدراسات والمؤلفات العلمية المتعلقة بالتكفير، وجماعات الغلو، تناولت الظاهرة من جوانب مختلفة، وبحكم خبرتي ومعايشتي لواقع شباب الصحوة، وانحراف بعضهم نحو الغلو وفكر التكفير، ألخص لك بعض أسباب شيوع هذا الفكر المقيت: الجهل بالشريعة الإسلامية، وأحكامها السمحة، ووجود العديد من التيارات الفكرية والحزبية في الوسط الدعوي خرَّج لنا الخطاب الدعوي السياسي الثوري المعلن سابقًا أجيالًا من الشباب والدعاة بمفاهيم خاطئة ومغلوطة تجاه التدين، وتحكيم الشريعة الإسلامية، وحقوق حكام المسلمين. تسبب ما سبق في ضعف المفاهيم الصحيحة، والقواعد الشرعية المؤصلة لدى الشباب بسبب تلقينهم الفكري المناوئ، وسوء توجيههم للمنهج الصحيح في مختلف الأبواب ومسائل العلم. عدم ترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في عقول الناشئة، وخصوصًا في مسائل التكفير، ومظاهر الخروج على ولاة الأمور. الغلو في إنكار بعض المخالفات، وتضخيمها، وإساءة الظن في الناس، والمسؤولين، وولاة الأمر، وتصنيفهم، ومعاداتهم. والخلاصة أن غياب المنهج الشرعي المؤصل لدى البعض في رعاية الشباب، وتوجيههم، وتعليمهم سبب مهم. وفي المقابل هناك في الوسط الدعوي من ينهج منهج الغلو بفكر ثوري وحزبي منه ما هو معلن ومنه ما هو مبطن ينشأ الشباب عليه. هذا أدى إلى فراغ علمي وشرعي لدى الكثير من الناشئة، فمن كان هذا حاله من السهولة بمكان تلويث عقله بشبه أهل التكفير، وجره لهذا المستنقع الآسن، ومن ثم تحريكه ليفعل ما يطلب منه، ولو كان ضد المسلمين، وضد وطنه وبلاده للأسف.
باحثون مرتزقة
* كيف تقرأ حركة البحث العلمي في الوقت الراهن؟
- حركة البحث العلمي أراها في ارتقاء كبير وبخاصة في جامعتنا السعودية والمراكز البحثية، وهذا قد تلمسه عندما تزور معارض الكتب كمعرض الكتاب الدولي في الرياض، فلا تكاد تجد مكتبة من المكتبات إلا وتجد لباحثينا السعوديين كتابًا أو رسالة في أرفف هذه المكتبات، وأذكر قديمًا بأن بعض المكتبات تتنافس على شراء البحوث العلمية من المؤلفين لتطبعها، أما اليوم فيعرض الباحث بحثه عليهم ولا يلتفتون إليه من كثرة البحوث العلمية التي بحوزتهم لطباعتها. وقد ساهم في ارتقاء كتابة الأبحاث العلمية ما ألفه العلماء في أصول وقواعد كتابة الأبحاث العلمية، وهي بالعشرات من ذلك كتاب: «منهج البحث العلمي وكتابة الرسائل الجامعية» للدكتور موفق عبدالقادر، وكتاب «كتابة البحث العلمي» للدكتور عبدالوهاب أبوسليمان، وكتاب «أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات» للدكتور يوسف المرعشلي، وغيرها. وفي الحقيقة إن البحث العلمي له شروط ومواصفات، وجودته متوقفة على كفاءة الباحث، ومدى قدرته وميوله وجديته في البحث، وما يتمتع به من خبرة ودراية، ومثابرة ونهم في البحث والتحقيق والإبداع، إضافة إلى مدى تفاعله مع موضوعات بحثه، وما يرغب في إضافته علميًا؛ وقدرات الباحثين وهممهم متفاوتة. والحق أننا لمسنا في السنوات الأخيرة ضعفًا لدى كثير من الباحثين المعاصرين، وهذا يحتاج إلى تأمل ودراسة لمعرفة أسباب هذا الضعف!! ولعل من أسبابه: ضعف التأصيل والتكوين العلمي لديهم، واعتماد البعض على وسائل التقنية الحديثة في الحصول على المعلومة دون تأصيل، إضافة لركون كثير من طلبة الدراسات العليا في المؤسسات التعليمية العليا إلى تكميل مراحل دراستهم ببحوث ضعيفة، ومن المؤسف أننا نسمع أن بعضهم قد كتبت له البحوث من خلال باحثين مرتزقة، فهدف هذا الصنف هو الحصول على الدرجة العلمية كيفما اتفق!! والله المستعان.
تجار الكتب
* وكيف تقيّم حركة التحقيق والنشر للكتُب التراثية؟
- التحقيق اليوم لكتب التراث في تطور وعلو لاتباع كثير من الباحثين الأصول العلمية في التحقيق، ولو سلمت كتب التراث من تجار الكتب والمرتزقة من المحققين لأمكننا تقيم حركة التحقيق بأنها في مرحلة متقدمة، لأن هناك كثيرًا من المكتبات في بعض الدول العربية مشهورة بإخراج كتب التراث على أي وجه كان، فتجد في تحقيقاتهم التصحيف، والسقط، والتحريف، وأحيانًا سرقة جهود الآخرين وإخراجها بصف جديد، وقد انتقد صنيع هذه المكتبات ومحققيها جمع من أهل العلم، من ذلك الأستاذ محمد آل شاكر في كتابه «أوقفوا هذا العبث بالتراث»، وهناك دراسات، وبحوث، ومقالات أخرى في نقد هذه الكتب، نشر بعضها في ملحق التراث في صحيفة المدينة قديمًا. أما اليوم فقد أصبح كثير من القراء على وعي كبير بأجود الطبعات المحققة نتيجة دراسة العلماء والباحثين للكتب ومعرفة أجود الطبعات المحققة، واكتشاف السيئ منها، ومن هؤلاء العلماء العلامة الدكتور عبدالكريم الخضير الذي لم يترك علمًا إلا وبين أحسن المؤلفات فيه وأجود طباعته وهو على دراية جيدة بالكتب؛ وقد كان لموقع «ثمرات المطابع» على شبكة الانترنت دور كبير في توعية العلماء والمثقفين بأجود طبعات الكتب. ومن أبرز المكتبات اليوم التي تعتني بتحقيق الكتب تحقيقًا علميًا مميزًا مكتبة دار الغرب الإسلامي.
أعمال شاقة
* برأيك لم ينصرف بعض الأكاديميين والباحثين الجدد عن عمل التحقيق؟
- نعم لا يرغب كثير من العلماء والأكاديميين والباحثين الجدد بتحقيق كتب التراث لأسباب كثيرة، منها: أن التحقيق من أشق الأعمال وأكبرها تبعة كما قال العلامة أحمد شاكر، ولا يقوى عليه إلا من وهب خلتين شديدتين وهما: الأمانة والصبر، وهما ما هما كما قال العلامة عبدالسلام هارون. بجانب رداءة خط المؤلف أو الناسخ، وهذا من شأنه إتعاب المحقق في قراءة المخطوط، وضبط نصوصه، لأن كثيرًا من المخطوطات تهمل التنقيط، وأحيانًا يتسبب سوء حفظ المخطوط بالمكتبة لاصابتها بالرطوبة، والتلف لأجزاء منه، فيصعب فك خطها، وقراءتها قراءة صحيحة. وصعوبة توثيق النصوص ومعالجتها من التصحيف والسقط. والدقة في إثبات الفروق بين النسخ الخطية إذا كانت نسخة الكتاب ليست واحدة، وهذا يبذل فيه المحقق جهدًا كبيرًا، فقد يكون في الصفحة الواحدة عشرة فروق أو أكثر. والخوف من إسقاط شطر أو كلمة للمؤلف سهوًا. والجهد الذي يبذله المحقق في مقابلة النسخة المطبوعة بنسخ الكتاب الخطية. وتخريج الأحاديث والآثار والحكايات والأشعار. والتعريف بأعلام الكتاب. والتعريف بالألفاظ الغريبة. وفهرسة موضوعات الكتاب، وأعلامه وأحاديثه وآثاره وأبياته الشعرية. وعمومًا فصنعة التحقيق لمن يريد خدمة العلم وإخراج الكتب المخطوطة بصورة صحيحة سليمة وفق ما أراد المؤلفون أمرٌ ليس بالذلول، ومن يلجه وهو ليس من أهله سيكشفه العلماء ويذمونه في إفساد التراث الإسلامي العريق.
رداءة وتلف
* ما العوائق التي تواجه المحققين في تحقيقهم للمخطوطات؟
- العوائق التي تواجه المحققين ليست كثيرة، منها: رداءة خط النسخة الخطية للكتاب. وتلف أجزاء من المخطوط، أو كثير منه. وعدم توفر نسخ عديدة للمخطوط. وعدم تعاون كثير من المراكز العلمية والمكتبات الحكومية والجامعات في كثير من الدول مع الباحثين الجادين بتحقيق المخطوطات، وقد عانيت أنا من ذلك عندما حققت إحدى المخطوطات، فقد استعنت بكثير من الأعيان في إحدى الدول العربية حتى حصلت على نسخة خطية منها، وغيري بالمئات يعانون مما عانيته. لذلك أتمنى من هذه الجهات العلمية، والمؤسسات الثقافية أن تمد يد العون للباحثين والتفريق بينهم وبين مرتزقة المخطوطات، وذلك بسؤال الباحث عن أعماله العلمية في خدمة التراث، أو الاكتفاء بتزكية محقق له جهود في خدمة التراث، وإلغاء شرط أن يكون الباحث جامعيًا والمخطوط متطلب له، فالتحقيق ليس مقصورًا على هذه الفئة، بل أعرف العشرات من المحققين لا يملكون الشهادات العليا، وهم من خيرة المحققين. وهضم حقوق المحقق بإعطائه نسبة 10% أو 15% من قيمة الكتاب، لذلك قد يعزف المتخصصين والباحثين عن تحقيق الكتب، لأن التحقيق يأخذ منه جهد كبير في خدمته بدءًا من نسخ المخطوط، ثم مقابلته وضبط نصوصه وبيان الفوارق في النسخ وتخريج الأحاديث والأعلام والأماكن وتفسير الألفاظ الغريبة وفهرسته، وغير ذلك، والمردود من هذه النسبة يعتبر فتاتًا، لأن جُل المكتبات لا تطبع أكثر من ألفي نسخة من الكتاب وفي النادر أكثر من هذا العدد بألف أو ألفين. والله الموفق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.