الحروب الصليبية

الاثنين، 10 أكتوبر 2011

الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء


قال ا لأوزاعى : قال عبد الله : قلت : والله لآتينَّ هذا الرجل , ولأسألنَّه أنَّى له هذا الكلام .فهمٌ أم علمٌ أم إلهامٌ أُلهم؟ فأتيت الرجل فسلمت عليه , فقلت : سمعتك وأنت تقول:(( اللهم....تفضيلا )) فأيُّ نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها , وأي فضيلة تفضل بها عليك تشكره عليها ؟
قال : ما ترى ما صنع ربى ؟ ! والله لو أرسل السماء عليّ نارًا فأحرقتني,  وأمر الجبال فدمَّرتني , وأمر البحار فأغرقتني , وأمر الأرض فبلعتني , ما ازددتُ لربى إلا شكرًا , لما أنعم علي من لساني هذا , ولكن يا عبد الله إذ أتيتني , لي إليك حاجة , قد تراني على أيّ حالة أنا , أنا لستُ أقدر لنفسي على ضر  ولا نفع , ولقد كان معي بنيٌّ لي يتعاهدنى في صلاتي , فيوضيني  وإذا جعت أطعمني , وإذا عطشت سقاني , ولقد فقدتهُ منذ ثلاثة أيام  فتحسَّسه لي رحمك الله.
فقلتُ : والله ما مشى خلق في حاجة خلق ,  كان أعظم عند الله أجرًا ممن يمشى في حاجة مثلك , فمضيت في طلب الغلام , فما مضيتُ غير بعيد , حتى صرت بين كثبان من الرمل,  فإذا أنا بالغلام قد افترسه سَبعٌ وأكل لحمه , فاسترجعتُ وقلت : أنَّى لي وجه رقيق آتى به الرجل ؟! فبينما أنا مقبل نحوه , إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي u فلما أتيته سلمت عليه , فردَّ على السلام , فقال ألستَ بصاحبي ؟ قلت : بلى  قال : ما فعلت في حاجتي ؟ أنت أكرمُ على الله أم أيوب النبي ؟ قال : بل أيوب النبي . قلت: هل علمت ما صنع به ربُّه ؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده ؟ قال : بلى .
قلت : فكيف وجده ؟ قال : وجده صابرًا شاكرًا حامدًا . قلت : لم يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه ؟ قال : نعم قلت : فكيف وجده ربُّه ؟ قال : وجده صابرًا شاكرًا حامدًا . قلت : فلم يرض منه بذلك حتى صيَّره عَرَضًا لمارّ الطريق, هل علمت ؟ قال نعم : قلت : فكيف وجده ربُّه ؟ قال صابرًا شاكرًا حامدًا , وأوجز رحمك الله . قلت له : إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كثبان الرمل , وقد أفترسه سبع فأكل لحمه , فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر . فقال المبتلى : الحمد لله الذي لم يخلق من ذرّيتي خلقًا يعصيه , فيعذبه بالنار , ثم استرجع , وشهق شهقة فمات, فقلت : إنّا لله وأنا إليه راجعون , عظمت مصيبتي , رجل مثل  هذا و إنْ تركته أكلته السباع , وإن قعدت , لم أقدر على ضر ولا نفع . فسجيته بشملة كانت علي , وقعدت عند رأسه باكيًا , فبينما أنا قاعد إذ تهجم على أربعة رجال , فقال : يا عبد الله , ما حالك ؟ وما قصتك ؟ فقصصت عليهم قصتي وقصته , فقالوا لي أكشف لنا عن وجهه , فعسى أن نعرفه .
فكشفتُ عن وجهه , فانكبَّ القوم عليه , يقبّلون عينه مرة , ويديه مرة أخرى , ويقولون : بأي عين طالما غُضّتْ عن محارم الله , وبأي جسم طالما كان ساجدًا والناس نيام . فقلت : من هذا يرحمكم الله ؟ هذا أبو قلابة الجرمي , صاحب ابن عباس  كان شديد الحب لله وللنبي r .
فغسَّلناه وكفَّنَّاه بأثواب كانت معنا , وصلَّينا عليه ودفناه , فانصرف القوم وانصرفتُ إلى رباطي , فلما أن جنَّ علي الليل , وضعت رأسي , فرأيته فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة , وعليه حُلَّتان من حلل الجنة , وهو يتلو الوحي (        )  (الرعد:24) .
فقلت : ألست بصاحبي ؟ قال : بلى .
قلت : أنَّى لك هذا ؟ قال : إن لله درجات لا تُنال إلا بالصبر عند البلاء,  والشكر عند الرجاء , مع خشية الله U في السر والعلانية  .[ الثقات , لابن حبان (5/502)   ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.