قتل مساء الخميس الماضي خمسة مصريين بينهم ثلاثة مجندين من حرس الحدود، عندما أطلقت طائرة إسرائيلية صاروخا بالقرب من الحدود المصرية الإسرائيلية على مقاتلين كانت تلاحقهم بعد هجمات إيلات التي أوقعت ثمانية قتلى إسرائيليين.
ومنذ هذا الخميس والأحداث في تصاعد غريب، بدأت بقتلى على الجانبين، ثم تبع ذلك تبادل للاتهامات بين مصر والكيان الصهيوني، وانتهت بتحويل دفة الأحداث وتوجيهها نحو غزة عبر سلسلة من الاعتداءات على القطاع قامت بها الطائرات الإسرائيلية مساء الجمعة، والتي أسفرت عن عشرات من القتلى والجرحى الفلسطينيين، ولهذه الأحداث أربع قراءات مختلفة تماما، لا علاقة بينها ظاهريا، غير أنها متحدة الهدف، تسعى لنتيجة واحدة.
القراءة الأولى:
تشير هذه القراءة إلى وجود علاقة ما بين هذه الأحداث ومخططات الإدارة الإيرانية، وسعيها الدءوب لمحاولة إشعال حرب جديدة في المنطقة بين حماس والكيان الصهيوني، وذلك لعدة أسباب منها:
1- تحويل الأنظار عما يحدث في سوريا من انتهاكات ومجازر ضد المواطنين السوريين من قبل نظام الأسد المدعوم إيرانيا، وهو الأمر الذي أشار إليه الأستاذ طارق الحميد في مقال له بجريد الشرق الأوسط بعنوان "معركة الدفاع عن الأسد" يقول فيه:" اللافت أن طهران تستخدم كل أوراقها باستثناء حزب الله، إلى الآن. فقد شهدنا حادثة إيلات، وتحرك جبهة غزة، رغم نفي حماس تورطها في ذلك. يضاف إليها تصريحات نوري المالكي، ومقتدى الصدر، وتصعيد المعارضة الشيعية في البحرين، وهو ما قد هدد به المحسوبون على نظام الأسد بعد بيان الملك عبد الله بن عبد العزيز تجاه سوريا، والجديد بالطبع محاولة إشعال سيناء، وهو أمر خطر، هذا عدا عن تصاعد العمليات الكردية تجاه تركيا، مما قد يفسر تردد أنقرة في اتخاذ موقف حازم تجاه الأسد إلى الآن".
2- كما تسمح هذه الحرب ببروز الدور الشيعي في مصر متخذا من الدفاع عن فلسطين، والقضية الفلسطينية مطية لخداع الشعوب العربية مرة ثانية، بعد نجاحها في حرب لبنان المفتعلة والتي علا فيها صوت حزب الله الإيراني، وظهر في صورة البطل.
3- في الوقت نفسه تعد هذه الأحداث ورقة ضغط تلعب بها إيران في صفقة المصالح بينها وبين إسرائيل، كما تفعل مع أمريكا بورقة الميليشيات التابعة لها في العراق، وفي تركيا بورقة الأكراد ...الخ
القراءة الثانية:
وهي قراءة شديدة الصلة بالقراءة السابقة، وتشير صراحة إلى أن النظام السوري متهم بمحاولة تأجيج الصراع في هذه المنطقة عن طريق الزج بحركة حماس والفلسطينيين عامة في حرب مع الإسرائيليين.
وأشار إلى هذا الأستاذ عبد الرحمن الراشد في مقال له بجريد الشرق الأوسط تحت عنوان" الغريق السوري والاستعانة بإسرائيل"، صدره بهذا السؤال:" لماذا هذه الصحوة الغريبة على تلك الجبهة في الوقت الذي تعيش فيه سوريا انتفاضتها؟"
ثم أجاب بقوله:" الأرجح أن هدفها تحويل الأنظار عن الساحة السورية. وقد سبق الأحداث محاولتان فاشلتان من قبل النظام السوري لتحويل الانتباه إلى صراع مع إسرائيل، مرة عبر فتح الجولان السورية لأول مرة منذ نحو ثلاثين عاما، عندما دفعت الفصائل الموالية للنظام السوري ببضع مئات من الفتيان جلبوا من مخيم اليرموك لرمي الحجارة على القوات الإسرائيلية عبر الحدود التي ردت عليهم بالرصاص الحي، سموها بيوم العودة. أرسلوا هؤلاء ليس للعودة بل للذبح باستخدام فلسطين كالعادة خدمة للنظام.
وقبلها أيضا تم حشد بضع مئات أمام الحدود من الجانب اللبناني، لكن حزب الله وشركاءه كانوا حذرين فلم تتجاوز كونها مظاهرة احتجاج صوتية".
واليوم تسعى كل من إيران وسوريا لاستخدام حماس للقيام بهذا الدور، وهو الأمر الذي أكده أكثر من مصدر، كذلك تأكده الأحداث على أرض الواقع، رغم نفس حماس هذا كله.
القراءة الثالثة:
تشير هذه القراءة إلى أن إسرائيل نفسها هي التي تسعى لهذا الأمر، ويعضد هذا الرأي كثرة الاستفزازات التي مارستها إسرائيل على حماس في الأيام الماضية. وهو ما ظهر واضحا في تصريحات إيهود باراك عقب هذه الأحداث والتي قال فيها:" إن مصدر الهجمات التي تعرضت لها أهداف في جنوب إسرائيل اليوم الخميس هو قطاع غزة"، مشيراً إلى أن "تصاعد نشاط المسلحين في سيناء سببه سقوط حكم الرئيس السابق حسني مبارك"، كما هدد برد قوي وشديد على قطاع غزة.
وعلة هذه الحرب لدي إسرائيل معروفة، وهي إنهاء الاحتجاجات داخل إسرائيل، عن طريق تصدير الأزمة التي تواجهها الحكومة الآن للخارج، وهو الأمر الذي أشار إليه الخبير بالشأن الإسرائيلي باسم أبو عطايا، مؤكدا على أن إسرائيل حاولت استثمار عملية الخميس الماضي في "تنفيس احتقان الشارع الإسرائيلي الذي تصاعدت احتجاجاته ضد الحكومة، والتي كادت أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة الحالية".
وإسرائيل بهذا العمل لا تريد احتكاكا ولا مواجهة مع الجيش المصري، فهي لا تريد سلاما مع مصر من جانب، ومن جانب آخر لا تريدها حربا، لأنها تعرف جيدا أنها الخاسر الوحيد في هذه المعركة في هذا التوقيت، وأن مصر قادرة على خوض تلك الحرب رغم ما تمر به من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية.
وإنما تسعى فقط لتحييد الجانب المصري ويؤكد هذا الأمر ما قامت به إسرائيل اليوم( السبت) حيث أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك اعتذار إسرائيل لمصر عن مقتل جنودها على الحدود في أحداث سيناء، في محاولة لإخراج النظام المصري من ورطته أمام الجماهير الغاضبة.
كما أكد رئيس الهيئة السياسية والأمنية بوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد- في تصريح لراديو إسرائيل- "ليست هناك أي نية لدى أي فرد في المؤسسة الأمنية أو الجيش الإسرائيلي لإلحاق الضرر بأفراد الشرطة أو الجنود المصريين"، وبهذا قد تنجح إسرائيل في تحييد الجانب المصري، بحيث لا يتدخل في الشأن الفلسطيني.
وهناك وجهة نظر أخرى تقول: أن إسرائيل تحاول إيهام العالم أن مصر غير قادرة على تأمين سيناء، وأن الإرهابيين والمتطرفين يسيطرون عليها، وبالتالي فأمن إسرائيل في خطر، وبهذا تستطيع إسرائيل نشر قواتها في سيناء، ومن ثم إعادة احتلالها مرة أخرى.
القراءة الرابعة:
تشير هذه القراءة إلى وجود من يحاول عرقلة المسيرة الثورية التي تشهدها مصر الآن، فيحاول بشتى السبل افتعال الأزمات، والتي بدأها بإثارة الطائفية والمذهبية بتفجير الكنائس، وهدم القبور، وحرق الأضرحة، ثم الاعتصامات غير المبررة، ...وانتهت بإشعال الاضطرابات على الحدود المصرية، عبر المنطقة الحدودية الفاصلة بين مصر وإسرائيل، وتم هذا الأمر بتدرج مدروس سعى أصحابه في بادئ الأمر إلى إثارة حالة من الرعب والفزع في الداخل المصري عبر مجموعات متطرفة في سيناء، وانتهت بعدة مناوشات بين جماعات أخرى ومجموعات إسرائيلية، كان من نتائجها وقوع عدد من القتلى المصريين برصاص الجيش الإسرائيلي، وتوجيه إسرائيل جبهة الصراع نحو غزة.
لكن المحزن في هذا الأمر بعد عرض هذه القراءات أن خيوط اللعبة كلها مجتمعة في يد إسرائيل، فهي تحارب من تريد وقتما تريد وبالطريقة التي تريدها، ويبدو أن إيران ترغب في لعب الدور نفسه عن طريق مليشياتها في العراق، وعناصر حزب الله في سوريا، وشيعة الخليج بالخليج العربي، أما في منطقة النزاع العربي الإسرائيلي فتحاول اللعب على الورقة الحمساوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.